نرى أن هذه الآية أنزلت فينا وفي أهل الكتاب؟ قلنا: كيف نختصم ونبينا واحد وديننا واحد وكتابنا واحد؟ حتى رأيت بعضنا يضرب وجوه بعض بالسيف، فعرفت أنها أنزلت فينا. وقال أبو سعيد الخدري: كنا نقول: ربنا واحد ونبينا واحد وديننا واحد، فما هذه الخصومة؟ فلما كان يوم صفين وشدّ بعضنا على بعض بالسيوف، قلنا: نعم هو هذا. وعن إبراهيم النخعي: قالت الصحابة: ما خصومتنا ونحن إخوان؟ فلما قتل عثمان رضي الله عنه قالوا: هذه خصومتنا. وعن أبى العالية: نزلت في أهل القبلة. والوجه الذي يدل عليه كلام الله هو ما قدمت أولًا، ألا ترى إلى قوله: ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ﴾ وقوله: ﴿وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ﴾ [الزمر: ٣٣]؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوجه محيي السنة عن ابن عباس قال: ﴿عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ﴾ يعني: المحق والمبطل والظالم والمظلوم.
قوله: (والوجه الذي يدل عليه كلام الله هو ما قدمت)، وهو قوله: "ثم إنك وإياهم تختصمون فتحتج أنت عليهم بأنك بلغت فكذبوا"، أي: يدل عليه الكلام السابق واللاحق، أما السابق فهو الاحتجاج من لدن مفتتح السورة إلى انتهاء ضرب المثل، وذلك أنه لما ختم الحجج بضرب المثل وتوهين أمر شركائهم وتسفيه رأيهم، وأمر حبيبه بعد ذلك كله بأن يذكر ربه بالمحامد والفضائل ويشكره على إثبات الفردانية والوحدانية، وأضرب عن ذلك كله بقوله: ﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونِ﴾ تسجيلًا عليهم بالجهل المفرط، وأنهم ممن طبع على قلوبهم، فلا يلتفتون إلى هذه البيانات الظاهرة والحجج المتظاهرة اتجه لحبيبه صلوات الله عليه من حرصه على إيمان القوم وتهالكه عليهم أن يسأل: فإلى ماذا يرجع حالي وحالهم؟ فأجيب بقوله: ﴿إنَّكَ مَيِّتٌ وإنَّهُم مَّيِّتُونَ﴾ تأييسًا لهم وإقناطًا كليًا من إيمانهم، يعني: لم يبق إلا الموت والاختصام عند مالك يوم الدين. قال:
إلى ديان يوم الدين نمضي.... وعند الله تجتمع الخصوم