وما هو إلا بيان وتفسير للذين يكون بينهم الخصومة. ﴿كَذَبَ عَلَى اللَّهِ﴾: افترى عليه بإضافة الولد والشريك إليه، ﴿وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ﴾: بالأمر الذي هو الصدق بعينه، وهو ما جاء به محمد ﷺ ﴿إِذْ جاءَهُ﴾: فاجأه بالتكذيب لما سمع به من غير وقفة لإعمال روية واهتمام بتمييز بين حق وباطل، كما يفعل أهل النصفة فيما يسمعون. ﴿مَثْوىً لِلْكافِرِينَ﴾: أي لهؤلاء الذين كذبوا على الله وكذبوا بالصدق، واللام في ﴿لِلْكافِرِينَ﴾ إشارة إليهم.
[﴿وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ * لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ * لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ ٣٣ - ٣٥]
﴿وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ﴾ هو رسول الله صلى الله عليه وسلم: جاء بالصدق وآمن به، وأراد به إياه ومن تبعه، كما أراد بموسى إياه وقومه في قوله: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ لَعَلَّهُمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وإليه الإشارة بقوله: {إنَّكَ مَيِّتٌ وإنَّهُم مَّيِّتُونَ﴾ و ﴿يَوْمَ القِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ﴾ فتحتج عليهم أنت بأنك بلغت فكذبوا، واجتهدت في الدعوة فلجوا في العناد، وأما اللاحق فقوله: ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ﴾ وقوله: ﴿وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ﴾، وإليه الإشارة بقوله: " وما هو إلا بيان وتفسير للذين يكون بينهم الخصومة"، وقوله بعده: " ﴿وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ﴾ بالذي جاء به محمد صلوات الله عليه" فاجأه بالتكذيب، والذي جاء بالصدق: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصدق به.
قوله: (وأراد به إياه ومن تبعه)، يعني: جيء بقوله: ﴿وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ﴾ على الإفراد، ثم حمل عليه: ﴿أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾، وحكم بقوله: ﴿لَهُمْ ما يَشاؤُنَ﴾، ولا بد من التأويل وأن يقال بأن الرسول ﷺ إمام أمته وقدوتهم، وأن مجيئه بالصدق وتصديقه كمجيئهم به وتصديقهم، كما يقال لرئيس القوم وكبيرهم: يا فلان افعلوا، ونجوه قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ﴾ [البقرة: ٨٧] أي: موسى وقومه، بدليل قوله: ﴿لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ﴾.