..................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والاحتمال الثاني: أن يراد بالزيادة الزيادة على الغير لكن على العموم، وامتناع أن يقصره السامع على ما ذكر معه دون غيره. وجاء في بعض الحواشي: إن قوله: "الأشج أعدل بني مروان" ليس المراد منه التفضيل؛ لأن المروانية كلهم جورة، لكن المراد: تعريف أنه من بني مروان، كأنه قال: أشج أعدل الناس، وهذا الأعدل من بني مروان، لعل هذا القائل أخذه من شارح "اللباب"، فإذا قلت: زيد أحسن قريش، فمعناه: زيد أحسن الناس مطلقًا، وهو من جملة قريش، هذا إن أريد به أن مآل ذلك المعنى راجع إلى هذا فهو صحيح، وإن أريد أن المتعلق منوي؛ فإن قوله: "يؤخذ مطلقًا" وتوكيده بقوله: "إطلاقًا" لا يساعده؛ لأن المنوي كالملفوظ، ولا قوله: كأنك قلت: عادلًا بني مروان؛ لأن "أعدلا" إذا أريد به "عادلًا" كان بالنسبة إلى بني مروان مجازًا، وهو حينئذ حقيقة في إيراده الغير، فتجتمع الحقيقة والمجاز على لفظ واحد في حالة واحدة، وأيضًا يلزم أن تكون الإضافة محضة وغير محضة، فثبت أن الاحتمال الأولى أولى.
ثم الأنسب أن يكون هذا التأويل مبنيًا على الوجه الأول، هو أن يراد بقوله: "الذي جاء بالصدق وصدق به رسول الله ﷺ أصالة، والمخلصون من الصحابة تبعًا" لأنه إذا لم يقل: إن المراد بقوله: ﴿ويَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ الحسن الذي يعملونه هو عند الله الأحسن، يلزم أن تكون صغار حسناتهم غير مجزي بها، وكذلك الصغائر من الذنوب تكون غير مكفرة، ويمكن أن ينبني على الوجه الثاني، وهو أن يراد: الذي جاء بالصدق رسول الله ﷺ وحده، ويصدق به صحابته كلهم، وتجري الإضافة على ظاهرها، ويكون قوله: ﴿لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا﴾ إلى آخره تعليلًا لقوله: ﴿وَصَدَّقَ بِهِ﴾ أي: أصحاب النبي ﷺ صدقوا به وآمنوا بما جاء من الحق به؛ ليكفر الله عنهم، وكان جل همهم مصروفًا في تكفير ذنوبهم العظام في الجاهلية من عبادة الأوثان وقتل النفس التي حرم الله ونهب مال الغير وفي أن يشكر لهم مكارم أفعالهم من صلة الرحم وقري الضيفان وإغاثة الملهوف وكسب المعدوم، وقد ذكر في سورة إبراهيم عليه السلام عند قوله تعالى: ﴿أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ﴾ [إبراهيم: ١٠]