اللَّهُ}. فإن قلت. لم قيل: ﴿كَاشِفَاتُ﴾، و ﴿مُمْسِكَاتُ﴾، على التأنيث بعد قوله تعالى: ﴿وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ﴾؟ قلت: أنثهن وكن إناثًا وهن اللات والعزى ومناة، قال الله تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى * أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى﴾ [النجم: ١٩ - ٢١]؛ ليضعفها ويعجزها زيادة تضعيف وتعجيز عما طالبهم به من كشف الضر وإمساك الرحمة، لأنّ الأنوثة من باب اللين والرخاوة، كما أنّ الذكورة من باب الشدّة والصلابة، كأنه قال: الإناث اللاتي هنّ اللات والعزى ومناة أضعف مما تدعون لهنّ وأعجز. وفيه تهكم أيضًا.
[﴿قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ * مَنْ يَاتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ﴾ ٣٩ - ٤٠]
﴿عَلى مَكانَتِكُمْ﴾ على حالكم التي أنتم عليها وجهتكم من العداوة التي تمكنتم منها. والمكانة بمعنى المكان، فاستعيرت عن العين للمعنى كما يستعار هنا. و"حيث" للزمان، وهما للمكان. فإن قلت: حق الكلام: فإني عامل على مكانتي، فلم حذف؟ قلت: للاختصار، ولما فيه من زيادة الوعيد، والإيذان بأنّ حاله لا تقف، وتزداد كل يوم قوّة وشدّة؛ لأنّ الله ناصره ومعينه ومظهره على الدين كله،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (فاستعيرت عن العين للمعنى) ضمن "استعار" معنى "نقل"، وعدي بـ"عن"، أي: المكانة تستعمل حقيقة فيما يدرك بالعين، فنقل عنه إلى المعنى، وهو الحالة والجهة، كما تستعار لفظة "هنا" و"حيث"، وهما للزمان والمكان.
قوله: (للاختصار، ولما فيه من زيادة الوعيد)، يعني: أضمر متعلق ﴿عَامِلٌ﴾، وجعل مطلقًا لئلا يكون على وزان عملهم وتعلقه بالمكانة؛ لأن حالته وجهته لا تقف على أمر يتمكن الواصف من وصفه، بل إنها لا تزال في الترقي ساعة فساعة إلى أن تنتهي في القوة إلى أقصى غايات الكمال، ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون، ولو ذكر لاقتصر على المذكور، وأن يقال: إني عامل على مكانتي؛ أي: حالتي التي أنا عليها.