ألا ترى إلى قوله: ﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ * مَنْ يَاتِيهِ﴾ كيف توعدهم بكونه منصورًا عليهم غالبًا عليهم في الدنيا والآخرة؛ لأنهم إذا أتاهم الخزي والعذاب فذاك عزه وغلبته، من حيث أن الغلبة تتم له بعز عزيز من أوليائه، وبذل ذليل من أعدائه. ﴿يُخْزِيهِ﴾ مثل ﴿مُقِيمٌ﴾ في وقوعه صفة للعذاب، أي: عذاب مخز له، وهو يوم بدر، وعذاب دائم وهو عذاب النار. وقرئ: (مكاناتكم).
[﴿إِنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ﴾ ٤١]
﴿لِلنَّاسِ﴾: لأجلهم ولأجل حاجتهم إليه، ليبشروا وينذروا، فتقوى دواعيهم إلى اختيار الطاعة على المعصية. ولا حاجة لي إلى ذلك فأنا الغنى، فمن اختار الهدى فقد نفع نفسه، ومن اختار الضلالة فقد ضرها. وما وكلت عليهم لتجبرهم على الهدى، فإنّ التكليف مبنى على الاختيار دون الإجبار.
[﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ألا ترى إلى قوله: {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾)، أي: الدليل على أن في ترك ذكر مكانتي زيادة في الوعيد والإنذار، وأن حاله لم تزل في التزايد إلى الأبد ترتب قوله: ﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ * مَنْ يَاتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ﴾ بالفاعلية، وكان من حق الظاهر: فسوف تعلمون مكانتي وأني غالب عليكم في الدنيا والآخرة، فوضع موضع "عذاب الدنيا" قوله: ﴿مَنْ يَاتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ﴾، و"عذاب الآخرة" قوله: ﴿وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ﴾، وإنما سمي نكالهم في الدنيا والعقبى بالعز والغلبة في قوله: "فذلك عزه وغلبته"؛ لأن الغلبة والعز قسمان: نصر الأولياء، وذل الأعداء. وهذه الغلبة والعز من القسم الأخير.
قوله: (مكاناتكم)، أبو بكر عن عاصم.