مدار المعنى على قوله: ﴿وَحْدَهُ﴾، أي: إذا أفرد الله بالذكر ولم يذكر معه آلهتهم اشمأزوا، أي: نفروا وانقبضوا، ﴿وإذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ﴾؛ وهم آلهتهم ذكر الله معهم أو لم يذكروا: استبشروا؛ لافتتانهم بها ونسيانهم حق الله إلى هواهم فيها. وقيل: إذا قيل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له: نفروا؛ لأن فيه نفيًا لآلهتهم. وقيل: أراد استبشارهم بما سبق إليه لسان رسول الله ﷺ من ذكر آلهتهم حين قرأ (والنجم) عند
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (مدار المعنى على قوله: ﴿وَحْدَهُ﴾)، عن بعضهم: من قال: المراد بقوله: ﴿وَحْدَهُ﴾ الثناء على الله تعالى، ويصير بمنزله قوله: الله تعالى، أو سبحانه، أو شبه ذلك، فقد أخطأ.
قلت: يريد: أن لفظة ﴿وَحْدَهُ﴾ في كلام المصنف ليست بمعترضة، كما يقع في سائر المواضع، مثل: سبحانه وتعالى، بل المعنى: أن مدار معنى هذه الآية وما سبق له الكلام معنى ﴿وَحْدَهُ﴾، إذا لو قيل: وإذا ذكر الله اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون، لكان عن المعنى بمعزل؛ لأنهم ما كانوا يشمئزون إذا شفع ذكر الله بذكر آلهتهم، وإذا ذكرت آلهتهم وحدها كانوا يستبشرون، وإنما كان اشمئزازهم من ذكر الله وحده، ونبه الله سبحانه وتعالى بوضع قوله: ﴿الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ﴾ موضع الضمير على أنهم إنما اشمأزوا؛ لأنهم ركنوا إلى اللذات العاجلة، وانغمسوا في الشهوات النفسانية، فإذا سمعوا بأن لا إله إلا هو وحده، واستلزم ذلك العبادة والتجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود، ظهرت آثار الكآبة على وجوههم، وانقبضت قلوبهم، وضاقت صدروهم، وإذا ذكرت الأصنام مالت قلوبهم إلى اللذات العاجلة، واستبشروا وفرحوا.
قوله: (ما سبق إليه لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم)، يعني: قرأ سورة "النجم"، وألقى الشيطان في أمنيته: "تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن ترتجى"، ففرح به الكفار.
وقلت: قد أبطل هذا القول الإمام، واستقصينا القول في إبطاله في "الأنبياء".