باب الكعبة، فسجدوا معه لفرحهم، ولقد تقابل الاستبشار والاشمئزاز؛ إذ كل واحد منهما غاية في بابه؛ لأن الاستبشار: أن يمتلئ قلبه سرورًا حتى تنبسط له بشرة وجهه ويتهلل. والاشمئزاز: أن يمتلئ غمًا وغيظًا حتى يظهر الانقباض في أديم وجهه. فإن قلت: ما العامل في ﴿وإذَا ذُكِرَ﴾؟ قلت: العامل في "إذا" المفاجأة، تقريره: وقت ذكر الذين من دونه، فاجأوا وقت الاستبشار.
[﴿قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ عَالِمَ الغَيْبِ والشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ ٤٦]
بعل رسول الله ﷺ بهم، وبشدة شكيمتهم في الكفر والعناد، فقيل له: ادع الله بأسمائه العظمى، وقل: أنت وحدك تقدر على الحكم بيني وبينهم، ولا حيلة لغيرك فيهم. وفيه وصف حالهم، وإعذار لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وتسلية له، ووعيد لهم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (العامل في "إذا" المفاجأة)، أي: العامل في "إذا ذكر" هو العامل في "إذا" المفاجأة، وهو "فاجؤؤا"، الأول ظرف، والثاني مفعول به، أي: فاجؤوا في وقت الذكر وقت الاستبشار، ومنه الحديث: "بينا نحن عند رسول الله ﷺ إذ طلع علينا رجل"، أي: فاجأنا في زمان جلوسنا عند رسول الله ﷺ وقت طلوع الرجل.
قوله: (بعل)، الأساس: بعل بالأمر: إذا عي به.
قوله: (وفيه وصف لحالهم) إلى آخره، يعني: سيق الكلام في الأمر بالدعاء في الأسماء الحسنى، والأمر بالتفويض في الحكم بينهم إلى الله تعالى، وأدمج فيه معان أربعة:
أحدها: قوله: ﴿أَنتَ تَحْكُمُ﴾ دل على الاختصاص؛ لأنه من قبيل: أنت عرفت، وأفاد أنه تعالى هو وحده يحكم بينهم، فدل ذلك على شدة شكيمتهم في الكفر والعناد، وهو كناية.
وثانيها: اعتذار لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذا القول إنما يصدر عمن بذل وسعه فيما وجب