لا أحد أشقى منه عند الله؛ وجب على من تحقق ذلك أن لا ترجح أحوالهم في عينه. ولا يغره إقباله في دنياهم وتقلبهم في البلاد بالتجارات النافقة والمكاسب المربحة، وكانت قريس كذلك يتقلبون في بلاد الشام واليمن، ولهم الأموال يتجرون فيها ويتربحون، فإن مصير ذلك وعاقبته إلى الزوال، ووراءه شقاوة الأبد. ثم ضرب لتكذيبهم وعداوتهم للرسل وجدالهم بالباطل وما ادخر لهم من سوء العاقبة مثلًا: ما كان من نحو ذلك من الأمم، وما أخذهم به من عقابه، وأحله بساحتهم من انتقامه.
وقرئ: (لا يغرك).
[﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ والأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَاخُذُوهُ وجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ﴾ ٥]
﴿والأَحْزَابُ﴾ الذين تحزبوا على الرسل وناصبوهم؛ وهم: عاد وثمود وفرعون وغيرهم، ﴿وهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ﴾ من هذه الأمم التي هي قوم نوح والأحزاب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بصفات العلم الكلي والعز الغالب، والجامع بين غفران الذنب وقبول التوبة، المتفرد بالعقاب الذي لا يكتنه كنهه، وبالإفضال الذي لا يقادر قدره قال: ﴿مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ﴾ أي: ما يجادل في مثل هذا الكتاب الذي اشتمل على الآيات البينات إبانة وإعجازًا المنزل من مثل ذلك الموصوف بنعوت الكمال إلا أمثال هؤلاء الكفرة المغروري، فلا يغرن مثلك في منصب الرسالة تقلب أولئك الأنعام المنغمسين في هذا الحطام. فقوله: ﴿آيَاتِ اللَّهِ﴾ مظهر أقيم مقام المضمر للتعظيم والتفخيم.
قوله: (ما كان من نحو ذلك)، قيل: هو مفعول ثان ل"ضرب"، وقيل: بدل من"مثلًا".
والأحسن أن يكون مفعولًا أول؛ لأن المعنى: ضرب ما وجد من نحو ذلك من لأمم "وأحله بساحتهم" عطف على"أخذهم" والضمير راجع إلى "ما"، ومن انتقامه " XXXX