من عظمة الله حتى يصير كأنه "الوصع". وفي الحديث: "إن الله تعالى أمر جميع الملائكة أن يغذوا ويروحوا بالسلام على حملة العرش تفضيالً لهم على سائر الملائكة". وقيل: خلق الله العرش من جوهرة خضراء، وبين القائمتين من قوائمه خفقان الطير المسرع ثمانين ألف عام. وقيل: حول العرش سبعون ألف صف من الملائكة، يطوفون به مهللين مكبرين، ومن ورائهم بالتهليل والتكبير، ومن ورائهم مئة ألف صف قد وضعوا الأيمان على الشمائل، ما منهم أحد إلا وهو يسبح بما لا يسبح به الآخر. وقرأ ابن عباس: (العرش) بضم العين. فإن قلت: ما فائدة قوله: ﴿ويُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ ولا يخفى على أحد أن حملة العرش ومن حوله من الملائكة الذين يسبحون بحمده مؤمنون؟ قلت: فائدته إظهار شرف الإيمان وفضله، والترغيب فيه كما وصف الأنبياء في غير موضع من كتابه بالصلاح لذلك، وكما عقب أعمال الخير بقوله: ﴿ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [البلد: ١٧]، فأبان بذلك فضل الإيمان. وفائدة أخرى؛ وهي التنبيه على أن الأمر لو كان كما تقول المجسمة، لكان حملة العرش ومن حوله مشاهدين معاينين، ولما وصفوا بالإيمان؛ لأنه إنما يوصف بالإيمان الغائب، فلما وصفوا به على سبيل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (الوصع)، يروى بفتح الصاد المهملة وسكونها، طائر أصغر من العصفور، والجمع: وصعان.
قوله: (لو كان كما تقول المجسمة، لكان حملة العرش ومن حوله معاينين مشاهدين ولما وصفوا بالإيمان)، قال الإمام: إنهم مدحوا بوصف الإيمان، والإقرار بوجود شيء معين لا يوجب المدح، ألا ترى أن الإقرار بوجود الشمس بكونها مضيئة لا يوجب المدح؟ ورحم الله صاحب "الكشاف"، فلو لم يحصل في الكتابه إلا هذه النكتة لكفاه شرفًا وفخرًا.


الصفحة التالية
Icon