الثناء عليهم، علم أن إيمان من في الأرض وكل من غاب عن ذلك المقام سواء في أن إيمان الجميع بطريق النظر والاستدلال لا غير، وأنه لا طريق إلى معرفته إلا هذا، وهو منزه عن صفات الأجرام. وقد روعي التناسب في قوله: ﴿ويُؤْمِنُونَ بِهِ ويَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾، كأنه قيل: ويؤمنون ويستغفرون لمن في مثل حالهم وصفتهم. وفيه تنبيه على أن الاشتراك في الإيمان يجب أن يكون أدعى شيء إلى النصيحة، وأبعثه على إمحاض الشفقة وإن تفاوتت الأجناس وتباعدت الأماكن. فإنه لا تجانس بين ملك وإنسان، ولا بين سماوي وأرضي قط، ثم لما جاء جامع الإيمان جاء معه التجانس الكلي والتناسب الحقيقي، حتى استغفر من حول العرش لمن فوق الأرض، قال الله تعالى: ﴿ويَسْتَغْفِرُونَ لِمَنء فِي الْأَرْضِ﴾ [الشورى: ٥]. أي: يقولون: ﴿رَبَّنَا﴾، وهذا المضمر يحتمل أن يكون بيانًا ل ﴿ويَسْتَغْفِرُونَ﴾ مرفوع المحل مثله،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقال صاحب "التقريب": وفي لزوم المشاهدة من الحمل واختصاص الإيمان بالغيب ولزوم استواء الإيمانين من كل وجه نظر.
الانتصاف: استدلالة على أنهم لا يشاهدون؛ بقوله: "يؤمنون"؛ لا يصح؛ لأن الإيمان هو التصديق، ولا يشترط فيه غيبة المصدق به بدليل الإيمان بالآيات المشاهدة من انشقاق القمر وقلب العصا.
الإنصاف: الإيمان بالآيات المشاهدة ليس إيمانًا بوجودها بل إيمان بأنها دالة على صدق النبي المتحدي بها.
الانتصاف: غرض الزمخشري من هذا التقرير وقصده نفي صحة الرؤية، وقوله: "لو كانت الرؤية صحيحة لرأته حملة العرش"، لا يلزم؛ فإن الرؤية عبارة عن إدراك يخلقه الله، ويجوز أن لا يخلق لهم هذه الرؤية أو لا يرفع المانع والحجاب.