فإن قلت: قد ذكر الرحمة والعلم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا} فكالمقدمة للاستغفار والوسيلة إلى طلب الحاجة، فيجب أن يقصد العموم فيها؛ ليكون أنجح إلى المطلوب، ويعني شأنك هذا فافعل بهؤلاء خاصة في الآخرة ما هم مفتقرون إليه حينئذ، فإذن الفاء في ﴿فَاغْفِرْ﴾ مرتبة للدعاء على الوصفين.
فإن قلت: جعل الرحمة علة للمغفرة ظاهر، فما بال العلم؟ قلت: معناه حققنا أن رحمتك وسعت كل شيء فاغفر للذين تابوا، وعرفنا أن علمك أحاط بكل شيء فأنجح مقاصدهم ما علموا وما لم يعلموا فإنك أعلم بأحوالهم ومصالحهم، وعليه قول الخليل عليه السلام: ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾ [إبراهيم: ٣٨ - ٣٩]، فإنه عليه السلام جعل العلم وحده وسيلة إلى الطلب.
قال المصنف في "تفسيره": إنك أعلم بأحوالنا وما يصلحنا ويفسدنا، وأنت أرحم بنا منا، وأنصح لنا منا بأنفسنا. تم كلامه.
وهاهنا نكتة في نهاية من اللطف ولا بد من إظهارها، وهي أن الخليل عليه السلام حين وصف الله تعالى بسعة العلم واستلزم ذلك سعة الرحمة واستغرق في بحار رحمته ورأى أن رحمته وسعت كل شيء، طمع في غفران والديه وقال: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ﴾ [إبراهيم: ٤١] فأدخل الكافر في الرحمة والغفران ان تناسيًا عن جواز ذلك، فضلًا عن المؤمنين. ذكر المصنف نحو هذا في سورة" التوبة" عند قوله تعالى: ﴿إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ﴾ [التوبة: ٨٠] وما نحن بصدده أولى وأخرى بالرجاء، وكيف لا وقد نص الله تعالى على ذكر الرحمة والعلم، وقدم الرحمة، وأغرق في وصف ذاته تعالى بهما كما مر.
قوله: (قد ذكر الرحمة والعلم)، خلاصة السؤال: أن الفاء في "فاغفر" مما يعقب بالتفصيل