..................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا القول اعترافهم بما كانوا ينكرونه في الدنيا ويكذبون الأنبياء حين كانوا يدعونهم إلى الإيمان بالله وحده واليوم الآخر، لأن قولهم هذا كالجواب عن النداء في قوله: ﴿لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ إذْ تُدْعَوْنَ إلَى الإيمَانِ فَتَكْفُرُونَ﴾ كأنهم أجابوا أن الأنبياء دعونا إلى الإيمان بالله واليوم الآخر، وكنا نعتقد ما تعتقده الدهرية أن لا حياة بعد الممات، فلم نلتفت إلى دعوتهم ودمنا على ما كنا عليه من الكفر والمعاصي، فالآن نعترف بالموتتين والحياتين لما قاسينا من شدائدهما وأهوالهما، ولهذا الفائدة استعقب قوله ﴿أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ﴾ قوله: ﴿فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا﴾ كما في قوله: ﴿فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [البقرة: ٥٤] فيكون الذنب تكذيب البعث. نظيره قوله تعالى: ﴿تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَاتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الملك: ٨ - ٩] إلى قوله: ﴿فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ﴾ [الملك: ١١]. قال المصنف: " بذنبهم: بكفرهم في تكذيبهم الرسل".
قال صاحب "الفرائد": يمكن أن يقال: لا يلزم ثلاث إحياءات؛ لأن مرادهم من قولهم: ﴿أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ﴾ أنا الآن تيقنا أنك أحييتنا بعد الإماته فاعترفنا. فقولهم: ﴿أَمَتَّنَا﴾ إلى الآخر سبب لاعترافهم؛ فلذلك جاؤوا بالفاء، وذلك أنهم كانوا منكرين للبعث، وبسبب ذلك كانوا كثيري الذنوب، فاعترفوا بما علموا أن الله تعالى كما كان قادرًا على الإنشاء كان قادرًا على الإعادة، وهذا موافق لقول المصنف في بيان وجه التسبب في ﴿فَاعْتَرَفْنَا﴾ أنهم أنكروا البعث، فلما تكرر عليهم الإماته والإحياء علموا قدرته على الإعادة، فاعترفوا بذنوبهم التي اقترفوها بسبب إنكار البعث. هكذا لخصه صاحب "التقريب".
فظهر من هذا البيان أن مقام هذه الآية غير مقام قوله تعالى: ﴿وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ﴾ [البقرة: ٢٨] فإن هذه لبيان الإقرار والاعتراف منهم في الآخرة بما أنكروه في