وكذا عن ابن عباس رضي الله عنهما. فإن قلت: كيف صح أن يسمى خلقهم أمواتًا إماته؟ قلت: كما صح أن تقول: سبحان من صغر جسم البعوضة وكبر جسم الفيل، وقولك للحفار: ضيق فم الركية ووسع أسفلها، وليس ثم نقل من كبر إلى صغر، ولا من صغر إلى كبر، ولا من ضيق إلى سعة، ولا من سعة إلى ضيق، وإنما أردت الإنشاء على تلك الصفات، والسبب في صحته: أن الصغر والكبر جائزان معًا على المصنوع الواحد، من غير ترجع لأحدهما، وكذلك الضيق والسعة. فإذا اختار الصانع أحد الجائزين وهو متمكن منهما على السواء، فقد صرف المصنوع عن الجائز الآخر، فجعل صرفه عنه كنقله منه، ومن جعل الإماتتين التي بعد حياة الدنيا والتي بعد حياة القبر: لزمه ثلاث إحياءات، وهو خلاف ما في القرآن، إلا أن يتحمل فيجعل إحداها غير معتدبها، أو يزعم أن الله يحييهم في القبور، وتستمر بهم تلك الحياة فلا يموتون بعدها، وبعدهم في المستثنين من الصعقة في قوله تعالى: ﴿إِلَّا مَنْ شَاءَ اللهُ﴾ [النمل: ٨٧].
فإن قلت: كيف تسبب هذا لقوله: ﴿فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا﴾؟ قلت: قد أنكروا البعث فكفروا، وتبع ذلك من الذنوب ما لا يحصى؛ لأن من لم يخش العاقبة تحرق في المعاصي، فلما رأوا الإماتة والإحياء قد تكررا عليهم، علموا بأن الله قادر على الإعادة قدرته على الإنشاء، فاعترفوا بذنوبهم التي اقترفوها من إنكار البعث وما تبعه من معاصيهم. ﴿فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ﴾ أي: إلى نوع من الخروج سريع أو بطيء ﴿مِنْ سَبِيلٍ﴾ قط، أم اليأس واقع دون ذلك، فلا خروج ولا سبيل إليه؟ وهذا كلام من غلب عليه اليأس
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الدنيا، وتلك لبيان الامتنان الذي يستدعي شكر المنعم، أو لبيان الدلائل لتصرفهم عن الكفر كما صرحه المصنف، ولا يلزم أيضًا على هذا ما أورده في السؤال: "كيف صح أن يسمى خلقهم أمواتًا إماته؟ " فيحتاج إلى ذلك الجواب المتعسف.
قوله: (أي: إلى نوع من الخروج سريع أو بطيء ﴿مِنْ سَبِيلٍ﴾ قط، أم اليأس واقع؟ ). الانتصاف: وعلى هذا بنى من قال: