ذلك أعداءكم ممن ليس على دينكم. ﴿رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو العَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ﴾ ثلاثة أخبار لقوله: ﴿هُوَ﴾ مترتبة على قوله: ﴿الَّذِي يُرِيكُمْ﴾، أو أخبار مبتدإ محذوف،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أحوال المشركين في هذه السورة، وأراد أن يشرع في أحوال المخلصين المنيبين على قضية التضاد كما قال: "وإن غاظ ذلك أعداءكم"، جعل قوله: ﴿فَالْحُكْمُ لِلَّهِ العَلِيِّ الكَبِيرِ﴾ وما يتصل به تخلصًا إلى ذكرهم، يعني: هو الذي يريكم آياته جميعًا من الآفاق والأنفس ويفصلها، ويدبر أمور معاشكم بإنزال الرزق من السماء، ولمعادكم بالدعوة إلى الدين الخالص؛ لأنه رفيع الدرجات، ولأنه ذو العرش، ولأنه يلقي الوحي الذي هو الحياة الأبدية، وهو الأمر بالخير والدعوة إلى الدين الخالص.
ويدل على المناسبة بين هذه الصفات وتلك الصفات اختلافها تعريفًا وتنكيرًا، أما ﴿رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ﴾ فهو مثل قوله: ﴿شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ يحتمل التعريف والتنكير، وأما فائدة التنكير فالدلالة على التجدد والإيذان باستمرار صعود الملائكة وقتا بعد وقت، وإليه الإشارة بقوله: (وهي مصاعد الملائكة إلى أن تبلغ العرش) وأما التعريف فيه، فقد قال الواحدي: الرفيع بمعنىى الرافع.
وأما قوله: ﴿يُلْقِي الرُّوحَ﴾ ففي إفادته استمرار الوحي من لدن آدم إلى انتهاء زمن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم اتصاله إلى قيام يوم التناد بإقامة من يقوم بالدعوة_ على ما روى أبو داود عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ أنه قال: "إن الله يبعث لهذا الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها"_ ظاهر مكشوف، ومعنى التجديد إحياء ما اندرس من العلم بالكتاب والسنة والأمر بمقتضاهما، وهو مناسب لقوله: ﴿مِنْ أَمْرِهِ﴾ يريد الوحي الذي هو أمر بالخير وبعث إليه.