وهو معنى قوله: ﴿وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ [إبراهيم: ٤٨]. ﴿لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ للهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾: حكاية لما يسأل عنه في ذلك اليوم ولما يجاب به. ومعناه: أنه ينادي مناد فيقول: لمن الملك اليوم؟ فيجيبه أهل المحشر: لله الواحد القهار. وقيل: يجمع الله الخلائق يوم القيامة في صعيد واحد بأرض بيضاء كأنها سبيكة فضة لم يعص الله فيها قط، فأول ما يتكلم به أن ينادى مناد: ﴿لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ للهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ * الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ﴾، الآية فهذا يقتضي أن يكون المنادي هو المجيب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وهو معنى قوله: ﴿وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ [إبراهيم: ٤٨])، يعني: معنى قوله: ﴿يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ﴾، ومعنى ﴿وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ واحد؛ لأنهم إذا برزوا لله الواحد القهار في ذلك اليوم لا يخفى على الله منهم شيء في زعمهم، كما قال: " فهم اليوم صائرون من البروز والانكشاف إلى الحال لا يتوهمون فيها مثل ما كانوا يتوهمونه".
قوله: (بأرض بيضاء كأنها سبيكة فضة)، الحديث من رواية البخاري ومسلم عن سهل بن سعد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي ليس فيها علم لأحد".
قوله: (فهذا يقتضي أن يكون المنادي هو المجيب)، يعني: دل الاستئناف من قوله: ﴿الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ﴾ على التعليل، فيجب أن يكون السائل والمجيب هو الله عز وجل، فإنه لما سأل: ﴿لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ﴾ وأجاب هو بنفسه: ﴿للهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾، وكان المقام موقع السؤال وطلب التعليل، فأوقع ﴿الْيَوْمَ تُجْزَى﴾ جوابًا عنه، يعني: إنما اختص الملك به؛ لأنه وحده يقدر على مجازاة كل نفس ما كسبت، وله العدل التام فلا يظلم أحدًا، وله التصرف التام فلا يشغله شأن عن شأن، فيسرع الحساب. ولو أوقع: ﴿للهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ جوابًا عن أهل المحشر، لم يحسن هذا الاستئناف.


الصفحة التالية
Icon