الموصوف، بيانه: أنك إذا عوتبت على القعود عن الغزو فقلت: ما لي فرس أركبه، ولا معي سلاح أحارب به، فقد جعلت عدم الفرس وفقد السلاح علة مانعة من الركوب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على عدم الصفة؛ لأن وجود الصفة بلا موصوف محال. وقوله: "فيكون ذلك إزالة لتوهم وجود الموصوف"، كأنه استدلال بعدم الصفة على عدم الموصوف، وهو يناقض ذلك التقرير.
وقلت: مقصود المصنف من قوله: "في ذكرها فائدة جليلة" أن مجيء الصفة ونفيها ليس إلا للمبالغة في نفي الموصوف، فمعنى قوله تعالى: ﴿مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ ولا شَفِيعٍ يُطَاعُ﴾ في هذا المقام: كيف يتأتى الشفيع ولا الشفيع؟ كمعنى قول القائل لمن يعاتبه على القعود عن الغزو: ما لي فرس أركبه. أي: كيف يتأتى مني الركوب ولا فرس لي؟ فكان ذكر الركوب والاستدلال على عدم تأتيه بعد الفرس دليلًا على أن انتفاء الفرس أمر لا نزاع فيه، وأن المخاطب لا يناقشه فيه، وكذلك ذكر التشفيع والاستدلال على عدم تأتيه بعدم الشفيع دليل على فقدان الشفيع، أمر محقق مشهور لا نزاع فيه، وإليه الإشارة بقوله: " الأمر المعروف غير المنكر الذي لا ينبغي أن يتوهم خلافه"، والأسلوب من باب نفي الشيء بنفي لازمه، فجيء بالصفة ليجعل نفي الموصوف دليلًا على انتفائها، فيلزم منه نفي توهم الموصوف، يعني: بلغ الموصوف في الانتفاء مبلغًا متناهيًا حتى صار دليلًا على انتفاء الصفة؛ لما يلزم من انتفاء الموصوف انتفاء الصفة؛ لأن الصفة لا تتأتى بدون موصوفها، فيكون المجموع دليلًا على المطلوب وهو انتفاء الموصوف بالكلية. وقد استقصينا في البقرة عند قوله تعالى: ﴿لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا﴾ [البقرة: ٢٧٣] القول فيه.
قال صاحب " الانتصاف": نفي المجموع يصح بنفي جزئه وبنفي كله، فإن كان المراد نفي الأمرين فذكر الصفة كالعلة لنفي الذات، أي لا طاعة فلا شفاعة، أو لا ذات فلا صفة، فيكون النفي مرتين من وجهين مختلفين، فظهر أن الفاء في "فيكون ذلك" نتيجة من قوله: ""ليقام انتفاء الموصوف"، لا من قوله: "لأن الصفة لا تتأتى"، فلا يلزم التناقض كما ظن.