والمحاربة، كأنك تقول: كيف يتأتى مني الركوب والمحاربة ولا فرس لي ولا سلاح معي؟ ! فكذلك قوله: ﴿ولا شَفِيعٍ يُطَاعُ﴾ معناه: كيف يتأتى التشفيع ولا شفيع؟ فكان ذكر التشفيع والاستشهاد على عدم تأتيه بعدم الشفيع وضعًا لانتفاء الشفيع موضع الأمر المعروف غير المنكر الذي لا ينبغي أن يتوهم خلافه.
[﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ ومَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ ١٩]
الخائنة: صفة للنظرة، أو مصدر بمعنى الخيانة، كالعافية بمعنى المعافاة، والمراد: استراق النظر إلى ما لا يحل، كما يفعل أهل الريب، ولا يحسن أن يراد الخائنة من الأعين؛ لأن قوله: ﴿ومَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ لا يساعد عليه. فإن قلت: بم اتصل قوله: ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ﴾؟ قلت: هو خبر من أخبار ﴿هُوَ﴾ في قوله: ﴿هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ﴾، مثل ﴿يُلْقِي الرُّوحَ﴾، ولكن ﴿يُلْقِي الرُّوحَ﴾ قد علل بقوله: ﴿لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلاق.﴾، ثم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (الأمر المعروف)، أي: المشهور الثابت القائم، فكأنه قد علم من غير شبهة أن لا شفيع، فيستدل به على عدم الشفيع.
قوله: (لأن قوله: ﴿ومَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ لا يساعد عليه)، لأن مراعاة النسبة بين القريتين في فصيح الكلام واجب، فإذن لا يجوز أن يكون "الخائنة" صفة للعين، أي: العين الخائنة، ثم أضيف الصفة إلى موصوفها؛ لأن قوله: ﴿ومَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ لا يناسبه؛ لأنه نسب الإخفاء إلى الصدور فأوجب ذلك أن ينسب الخائنة إلى الأعين. ويقال: يعلم نظرة الأعين ويعلم ما تخفي الصدور. وفيه بحث؛ لأن المقصود من الإسناد المبالغة، وأن الله تعالى يعلم استراق العين لا العين الخائنة، سواء ضم إليه قرينتها أو لم يضم.
وقال القاضي: النظرة الخائنة النظرة الثانية إلى غير المحرم واستراق النظر إليه، أو خيانة الأعين. والجملة خبر خامس للدلالة على أنه ما من خفى إلا وهو متعلق للعلم والجزاء. قوله: (هو خبر من أخبار ﴿هُوَ﴾، أي: لفظة ﴿هُوَ﴾ في قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ﴾، يعني: ﴿يَعْلَمُ﴾ خبر لـ ﴿هُوَ﴾، مثل ﴿يُلْقِي﴾.