استطرد ذكر أحوال يوم التلاق إلى قوله: ﴿ولا شَفِيعٍ يُطَاعُ﴾؛ فبعد لذلك عن أخواته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (فبعد لذلك عن أخواته)، فإن قلت: فهلا لم يقدم على ﴿يُلْقِي الرُّوحَ﴾ أو على إخوانه؛ لئلا يحصل هذا البعد؟ قلت: لا يخلو إما أن يؤتى به قبل قوله: ﴿هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ ويُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ رِزْقًا﴾ أو بعده، ولا يجوز الأول؛ لأن هذا متضمن للتهديد كما قال: "والمراد استراق النظر إلى ما لا يحل".
وقال الواحدي: يعلم مسارقة النظر إلى ما لا يحل، وما تسر القلوب في السر من المعصية، ، ﴿واللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ﴾ فيجزي بالحسنة والسيئة، وذلك وارد في الامتنان على ما يوجب الشكر من نعمة الحياتين، وقد سبق اتصاله بما قبله.
ولا الثاني؛ لأنه إما أن يقدم على "رفيع الدرجات" أو يؤخر عنه.
رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو العَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ * يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ المُلْكُ اليَوْمَ لِلَّهِ الوَاحِدِ القَهَّارِ
ولا يجوز الأول؛ لأن ﴿رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ﴾ في الوجه المختار مفسر بمصاعد الملائكة ومهابطها للسفارة بين المرسل والمرسل إليه، وهو كالمقدمة لقوله: ﴿يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾، وورودهما عقيب ﴿ويُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ رِزْقًا﴾ للإيذان بأن الماء كما هو حياة الأرض الميتة، كذلك الوحي حياة للقلوب الميتة.
ولا الثاني؛ لأنه إذا لم يجز ذلك فالبطريق الأولى هذا؛ لئلا يتخلل بين المقدمة ولاحقتها أجنبي، وإنما عقب به قوله: ﴿يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ﴾ وما يتصل به من الاستطراد لمناسبة بينهما لفظًا ومعنى، كما قال: هو مثل ﴿يُلْقِي الرُّوحَ﴾، أما اللفظ فكلاهما مضارعان، وأما المعنى فلدلالة كل منهما على الوعيد والتهديد، أما العلم فكما سبق، وأما الوحي فلتصريح تعليله بقوله: ﴿لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ﴾ إلى آخره.
فإن قلت: لم لا تجعل العلم علة لنفي شفاعة الشفيع، كما في قوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي