كان قتل الأبناء واستحياء النساء من قبل خيفة أن يولد المولود الذي أنذرته الكهنة بظهوره وزوال ملكه على يده؟ قلت: قد كان ذلك القتل حينئذ، وهذا قتل آخر. وعن ابن عباس رضي الله عنه في قوله: ﴿قَالُوا اقْتُلُوا﴾: أعيدوا عليهم القتل كالذي كان أولًا. يريد: أن هذا قتل غير القتل الأول. ﴿فِي ضَلال﴾: في ضياع وذهاب، باطلًا لم يجد عليهم، يعني: أنهم باشروا قتلهم أولًا فما أعنى عنهم، ونفذ قضاء الله بإظهار من خافوه، فما يغني عنهم هذا القتل الثاني، وكان فرعون قد كف عن قتل الوالدان، فلما بعث موسى وأحس بأنه قد وقع أعاده عليهم غيًا وحنقًا، وظنا منه أنه يصدهم بذلك عن مظاهرة موسى، وما علم أن كيده ضائع في الكرتين جميعًا.
[﴿وقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى ولْيَدْعُ رَبَّهُ إنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الفَسَادَ﴾ ٢٦]
﴿ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى﴾ كانوا إذا هم بقتله كفوه بقولهم: ليس بالذي تخافه،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (غيظًا وحنقًا وظنا منه أنه يصدهم بذلك عن مظاهرة موسى عليه السلام)، وقال في موضع آخر: "إلباسًا عليهم وتعمية وأن ذلك المولود منتظر بعد، وليس موسى بذلك"، وينصره قوله: ﴿ومَا كَيْدُ الكَافِرِينَ إلاَّ فِي ضَلال﴾، وقوله تعالى: ﴿ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى﴾، وقوله: (كان هذا تمويهًا على قومه وإيهامًا أنهم هم الذين يكفونه)، وقال في "الأعراف"- في قوله: ﴿سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ﴾ [الأعراف: ١٢٧]-: "سعيد عليهم ما كنا محناهم به من قتل الأبناء؛ ليلموا أنا على ما كنا عليه من القهر والغلبة وأنهم مقهورون تحت أيدينا، ولئلا يتوهم العامة أنه هو المولود الذي تحدث المنجمون والكهنة بزوال ملكنا على يده".