وهو أقل من ذلك وأضعف، وما هو إلا بعض السحرة، ومثله لا يقاوم إلا ساحرًا مثله، ويقولون: إذا قتلته أدخلت الشبهة على الناس، واعتقدوا أنك قد عجزت عن معارضته بالحجة. والظاهر أن فرعون -لعنه الله - كان قد استيقن أنه نبي، وأن ما جاء به آيات وما هو بسحر، ولكن الرجل كان فيه خب وجربزة، وكان قتالًا سفاكًا للدماء في أهون شيء، فكيف لا يقتل من أحس منه بأنه هو الذي يثل عرشه ويهدم ملكه؟ ! ولكنه كان يخاف إن هم بقتله أن يعاجل بالهلاك، وقوله: ﴿ولْيَدْعُ رَبَّهُ﴾ شاهد صدق على فرط خوفه منه ومن دعوته ربه، وكان قوله: ﴿ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى﴾
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[قوله: (وهو أقل من ذلك وأضعف، وما هو إلا بعض السحرة)، الانتصاف: هو مثل قوله: ﴿إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ﴾ [الشعراء: ٥٤] يوهم قلة الاحتفال بهم، وأن قتالهم إنما هو لأجل أنهم لنا غائظون، ومن عادتنا الحذر على دولتنا بحسن الحفظ وحماية حوزة المملكة، ولقد كذب وكان فؤاده مملوءًا رعبًا.
قوله: (﴿ولْيَدْعُ رَبَّهُ﴾ شاهد صدق)، يعني صدر منه هذا الكلام على سبيل الإيهام والتورية، والتورية -كما علمت- هو أن يطلق لفظ له معنيان: قريب وبعيد، فيراد البعيد منهما، واللعين أوهم قومه المعنى القريب وهو التهكم، وفي ضميره البعيد، أظهر أن ليس له رب والذي يدعوه ليس برب، أي: لا يجدي دعاؤه شيئًا؛ لأنه يدعو ما لا حقيقة له، وهو كما تقول لمن ظفرت به وليس له ناصر: أنا أنتقم منك فادع ناصرك؛ تهكما به، والمراد: ما في ضميره أنه إن هم بقتله أن يعاجل بالهلاك، لأنه كان قد استيقن أنه نبي وأن ما جاء به آيات، ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا﴾ [النمل: ١٤]. قال محيي السنة: أيك وليدع موسى ربه الذي يزعم أنه أرسله إلينا فيمنعه منا. وفي "اللباب": أي: ليدع ربه فإنه لا يجاب، وليستعن بربه فإنه لا يعان. وقيل: ليدع ربه فإنه لا يجيء من دعائه شيء؛ لأنه يدعو ما لا حقيقة له.


الصفحة التالية
Icon