تقول. والمعنى: أتقتلونه ساعة سمعتم منه هذا القول من غير روية ولا فكر في أمره؟ ! وقوله: ﴿بِالْبَيِّنَاتِ﴾ يريد: بالبينات العظيمة التي عهدتموها وشهدتموها، ثم أخذهم بالاحتجاج على طريقة التقسيم، فقال: لا يخلو من أن يكون كاذبًا أو صادقًا، ، ﴿وإن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ﴾ أي: يعود عليه كذبه ولا يتخطاه ضرره، ﴿وإن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ﴾ ما يعدكم إن تعرضتم له. فإن قلت: لم قال: ﴿بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ﴾ وهو نبي صادق، لابد لما يعدهم أن يصيبهم كله لا بعضه؟ قلت: لأنه احتاج في مقاولة خصوم موسى ومناكريه إلى أن يلاوصهم ويداريهم، ويسلك معهم طريق الإنصاف في القول، ويأتيهم من جهة المناصحة، فجاء بما علم أنه أقرب إلى تسليمهم لقوله، وأدخل في تصديقهم له وقبولهم منه، فقال: ﴿وإن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ﴾، وهو كلام المنصف في مقاله غير المشتط فيه؛ ليسمعوا منه ولا يردوا عليه، وذلك أنه حين فرضه صادقًا فقد أثبت أنه صادق في جميع ما يعد، ولكنه أردفه ﴿يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ﴾؛ ليهضمه بعض حقه في ظاهر الكلام، فيريهم أنه ليس بكلام من أعطاه حقه وافيًا، فضلًا أن يتعصب له، أو يرمي بالحصى من ورائه،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إلى قوله: "ما لكم علة قط في ارتكابها إلا كلمة الحق"، أي: قوله: ﴿أَن يَقُولَ﴾ إما توبيخ على جعل قول الحق علة القتل، وهو موجب للتسليم والتقليد بإضمار اللام، أو إنكار على عدم التفكر، على "أن" مصدرية والوقت مقدر.
قوله: (أن يلاوصهم)، الجوهري: فلان يلاوص الشجر، أي: ينظر كيف يأتيها ليقلعها، وعن بعضهم: يقال: لاوص القرن، إذا نظر من أي وجه يضربه.
قوله: (غير المشتط فيه))، اشتط في كذا: جازف فيه. والمشتط: هو الغالي.
قوله: (أو يرمي بالحصى من ورائه)، قيل: هو كناية عن الذب عنه، أي: فضلًا عن أن يذب عن موسى. والوراء بمعنى قدام.