قلت: إن صحت الرواية عنه، فقد حق فيه قول المازني في مسألة العلقى: كان أجفى من أن يفقه ما أقول له، ﴿إنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ﴾ يحتمل أنه إن كان مسرفًا كذابًا خذله الله وأهلكه ولم يستقم له أمر، فيتخلصون منه، وأنه لو كان مسرفًا كذابًا لما هداه الله للنبوة، ولما عضده بالبينات. وقيل: ما تولى أبو بكر من رسول الله ﷺ كان أشد من ذلك: طاف ﷺ بالبيت، فلقوه حين فرغ، فأخذوا بمجامع ردائه، فقالوا له: أنت الذي تنهانا عما كان يعبد آباؤنا؟ فقال: "أنا ذاك"، فقام أبو بكر رضي الله عنه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قلت لأبي عبيدة؟ فقال: ذاك - أي: التاء- إنما تدخل على لغة من يقول: إن ألفها للإلحاق لا للتأنيث.
قوله: (يحتمل أنه إن كان مسرفًا)، إلى آخره، يريد أن قوله: ﴿إنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي﴾ الآية، تعليل للشرطين وارد على ذلك النمط ذا وجهين، أي: إن يك كاذبًا فعليه كذبه، أي: وبال كذبه وضرره؛ لأن الله لا يهدي ﴿مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ﴾. ﴿وإن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وإن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ﴾ إن تعرضتم له؛ لأن الله هداه للحق، ولو كان مسرفًا كذابًا لما هداه الله للنبوة ولما عضده بالبينات.
قوله: (ما تولى أبو بكر رضي الله عنه)، عن الإمام أحمد بن حنبل، عن عروة بن الزبير: "قلت لعبد الله بن عمر"، وعن البخاري: "سألت عمر: أخبرني بأشد ما صنع المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: بينا رسول الله ﷺ يصلي بفناء الكعبة؛ إذ أقبل عقبة بن أبي معيط لعنه الله، فأخذ بمنكب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلف ثوبه في عنقه، فخنقه خنقًا شديدًا، فجاء أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فأخذ بمنكبه، ودفعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: ﴿أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ﴾ ".


الصفحة التالية
Icon