قلت: أهلك الله الأحزاب: قوم نوح وعاد وثمود؛ لم يكن إلا عطف بيان لإضافة قوم إلى أعلام، فسرى ذلك الحكم إلى أول ما تناولته الإضافة. ﴿ومَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ﴾ يعني: أن تدميرهم كان عدلًا وقسطًا؛ لأنهم استوجبوه بأعمالهم، وهو أبلغ من قوله: ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ [فصلت: ٤٦]؛ حيث جعل المنفي إرادة الظلم؛ لأن من كان عن إرادة الظلم بعيدًا، كان عن الظلم أبعد؛ وحيث نكر الظلم، كأنه نفى أن يريد ظلمًا ما لعباده. ويجوز أن يكون معناه كمعنى قوله: ﴿ولا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الكُفْرَ﴾ [الزمر: ٧] أي: لا يريد أن يظلموا؛ يعني: أنه دمرهم؛ لأنهم كانوا ظالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (نكر الظلم، كأنه نفى أن يكون ظلمًا ما)، وليس التنكير في "ظلام" مثله؛ لأن "ظلامًا" بناء مبالغة، والتنكير يتبعه في التفخيم والتكثير.
قوله: (كمعنى قوله: ﴿ولا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الكُفْرَ﴾ [الزمر: ٧])، ومعناه على ما قال: لا يرضى لعباده الكفر رحمةً لهم؛ لأنه يوقعهم في الهلكة، وفيه: أنهم بأنفسهم يكفرون ويوقعونها في الهلكة، وكذلك قوله: "وما الله يريد ظلمًا للعباد" معناه: لا يريد لهم أن يظلموا فيوقعوا أنفسهم بسببه في الدمار، ولكنهم هم الذين ظلموا فتعرضوا للدمار فلذلك دمرناهم، وإليه الإشارة بقوله: "يعني: أنه دمرهم لأنهم كانوا ظالمين"، والمعنى على الأول: جازيناهم بالهلاك فعدلنا فيهم. وعلى الثاني: : أهلكناهم؛ لأنهم كانوا ظالمين.
الانتصاف: هذا من الطراز الأول، وقد سبق من إبطاله ما يغني عن إعادته.
وقلت: إن مؤمن آل فرعون لما نصح القوم بقوله: ﴿أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ﴾ وأثبت أنه نبي صادق ثابتة نبوته، واجب اتباعه، وما قصر في النصح وإرشاد طريق الإيمان إلى أن انتهى إلى قوله: ﴿فَمَن يَنصُرُنَا مِنْ بَاسِ اللَّهِ إن جَاءَنَا﴾، وما زاد اللعين على ما بدأ أولًا: ﴿مَا أُرِيكُمْ إلاَّ مَا أَرَى﴾ أي: ما أشير عليكم إلا بما أرى من


الصفحة التالية
Icon