لأنه لا يريد مسرفًا واحدًا، فكأنه قال: كل مسرف. فإن قلت: فما فاعل ﴿كَبُرَ﴾؟ قلت: ضمير ﴿مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ﴾. فإن قلت: أما قلت: هو جمع؛ ولهذا أبدلت منه ﴿الَّذِينَ يُجَادِلُونَ﴾؟ قلت: بلى هو جمع في المعنى، وأما اللفظ فموحد، فحمل البدل على معناه، والضمير الراجع إليه على لفظه، وليس ببدع أن يحمل على اللفظ تارة وعلى المعنى أخرى، وله نظائر، ، ويجوز أن يرفع ﴿الَّذِينَ يُجَادِلُونَ﴾ على الابتداء، ولابد في هذا الوجه من حذف مضاف يرجع إليه الضمير في ﴿كَبُرَ﴾، تقديره: جدال الذين يجادلون كبر مقتًا، ويحتمل أن يكون ﴿الَّذِينَ يُجَادِلُونَ﴾ مبتدأ، و ﴿بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ﴾ خبرًا، وفاعل ﴿كَذَلِكَ﴾ قوله: ﴿........ ﴾ أي: كبر مقتًا مثل ذلك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وليس ببدع أن يحمل على اللفظ تارة وعلى المعنى أخرى)، الانتصاف: فيما ذكره عود إلى معاملة اللفظ من بعد معاملة معناه وأهل العربية يجتنبونه، والأولى ألا يعتمد في إعراب القرآن عليه، والصواب أن فاعل ﴿كَبُرَ﴾ ضمير مصدر ﴿يُجَادِلُونَ﴾، أي: كبر جدالهم مقتًا، أو يجعل ﴿الَّذِينَ﴾ مبتدأ بتقدير حذف المضاف، أي: جدال الذين يجادلون، والضمير في "كبر" يعود إلى الجدال المحذوف، والجملة مبتدأ وخبر. ومثله في حذف المضاف وعود الضمير إليه: ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ﴾ [التوبة: ١٩] في أحد تأويليه، وهو: أجعلتم أهل سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله. ومثله كثير. وفيه ما يوجب السلامة عما ذكره، فالأولى العدول عنه.
وقلت: ولعل في قوله: "وليس ببدع أن يحمل" إشارة إلى هذا المعنى.
قوله: (وفاعل ﴿كَبُرَ﴾ قوله: ﴿كَذَلِكَ﴾)، قيل: فعلى هذا قد تقدم التمييز على الفاعل، ومثله جائز. قال المرزوقي في قوله:
أرى كل أرض دمنتها وإن مضت.... لها حجج يزداد طيبًا ترابها