الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ}: وعلى الأنعام وحدها لا تحملون، ولكن عليها وعلى الفلك في البر والبحر. فإن قلت: هلا قيل: وفي الفلك، كما قال: ﴿قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ﴾؟ [هود: ٤٠]! قلت: معنى الإيعاء ومعنى الاستعلاء كلاهما مستقيم؛ لأنّ الفلك وعاء لمن يكون فيها حمولة له يستعليها، فلما صح المعنيان صحت العبارتان. وأيضًا فليطابق قوله: ﴿وَعَلَيْها﴾ ويزاوجه. ﴿فَأَيَّ آياتِ اللَّهِ﴾ جاءت على اللغة المستفيضة، وقولك: فأية آيات الله: قليل؛ لأنّ التفرقة بين المذكر والمؤنث في الأسماء غير الصفات، نحو "حمار" و"حمارة": غريب، وهي في "أي" أغرب؛ لإبهامه.
[﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثارًا فِي الْأَرْضِ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ * فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ﴾ ٨٢ - ٨٣]
﴿وَآثارًا﴾: قصورهم ومصانعهم. وقيل: مشيهم بأرجلهم لعظم أجرامهم. ﴿فَما أَغْنى عَنْهُمْ﴾ "ما" نافية أو مضمنة معنى الاستفهام، ومحلها النصب، والثانية: موصولة، أو مصدرية، ومحلها الرفع، يعنى: أي شيء أغنى عنهم مكسوبهم، أو كسبهم. ﴿فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ﴾ فيه وجوه؛ منها: أنه أراد العلم الوارد على طريق التهكم في قوله: ﴿بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ﴾ [النمل: ٦٦]، وعلمهم في الآخرة: أنهم كانوا يقولون: لا نبعث ولا نعذب، ﴿وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى﴾ [فصلت: ٥٠]، ﴿وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (لأنّ التفرقة بين المذكر والمؤنث في الأسماء غير الصفات، نحو "حمار" و"حمارة": غريب)، ليس بمطلق، بل إذا لم يرد التمييز بأمر خارجي لئلا يخالف قوله: {قَالَتْ نَمْلَةٌ﴾
[النمل: ١٨]، واستشهاد أبي حنيفة رضي الله عنه في أنها أنثى بدليل ﴿قَالَتْ﴾ ولهذا قال: "وهي في "أي" أغرب لأن التمييز فيها غير مطلوب أصلًا". ويؤيده قول صاحب "التقريب": وفي "أي" أغرب لمطلوبية الإبهام فيه ومنافاته التمييز.


الصفحة التالية
Icon