فما أحسن بالعاقل النظر في لطائف الصناعات، فكيف بالنظر في لطائف الديانات؟
﴿مُقْرِنِينَ﴾ مطيقين، يقال: أقرن الشيء، إذا أطاقه، قال ابن هرمة:
وأقرنت ما حمّلتنى ولقلّما.... يطاق احتمال الصّد يا دعد والهجر
وحقيقة «أقرنه»: وجده قرينته وما يقرن به؛ لأنّ الصعب لا يكون قرينة للضعيف، ألا ترى إلى قولهم في الضعيف: لا تقرن به الصعبة. وقرئ: "مقرنين"، والمعنى واحد.
فإن قلت: كيف اتصل بذلك قوله: ﴿وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ﴾؟ قلت: كم من راكب دابة عثرت به أو شمست أو تقحمت أو طاح من ظهرها فهلك،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (فما أحسن بالعاقل النظر): الباء متعلق بـ"أحسن"، وجاز تقديمه على "النظر"، يعني: كما نظرت إلى صنعة من الصناعات المتقنة المؤنقة وتعجبت منها، فانظر إلى كل لطيفة من لطائف الديانة ومحاسن الشريعة، وتعجب منها، فإن كل نطق وسكوت، بل كل حركة وسكون، فيه من الأسرار والحكم ما يقضى منه العجب كل العجب، وإياك أن تغفل عن شيء منها إهمالًا، فتحرم على نفسك كمالات لا غاية لها.
قوله: (وأقرنت ما حملتني) البيت: "الهجر": ترك ما يلزمك تعاهده، يقول: قلما يطاق احتمال الإعراض والهجر، وقد أطقت ذلك.
قال الزجاج: " ﴿مُقْرِنِينَ﴾: مطيقين، واشتقاقه من قولك: أنا لفلان مقرن، أي: مطيق، أي: قد صرت قرنًا له".
قوله" (وقرئ: "مقرنين") بالتشديد، يروى بكسر الراء وفتحها. المطلع: المقرن: الذي يجعل مقرنًا للشيء، أي: مطيقا له، يقال: قرنه فاقترن له.
قوله: (أو تقحمت)، الجوهري: "قحم الفرس فارسه تقحيمًا على وجهه؛ إذا رماه".