وحافون حول العرش صفوفا بعد صفوف يداومون -خضوعًا لعظمته- على عبادته وتسبيحه وتحميده، ويستغفرون لمن في الأرض خوفًا عليهم من سطواته.
وأما على الثاني فكأنه قيل: يكدن ينفطرن من إقدام أهل الشرك على تلك الكلمة الشنعاء، والملائكة يوحدون الله وينزهونه عما لا يجوز عليه من الصفات التي يضيفها إليه الجاهلون به، حامدين له على ما أولاهم من ألطافه التي علم أنهم عندها يستعصمون مختارين غير ملجئين، ويستغفرون لمؤمني أهل الأرض الذين تبرؤا من تلك الكلمة ومن أهلها، أو يطلبون إلى ربهم أن يحلم عن أهل الأرض ولا يعاجلهم بالعقاب مع وجود ذلك فيهم، لما عرفوا في ذلك من المصالح، وحرصًا على نجاة الخلق، وطمعًا في توبة الكفار والفساق منهم.
[﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ﴾ ٦]
﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ﴾ جعلوا له شركاء وأندادًا، ﴿اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ﴾ رقيب على أحوالهم وأعمالهم لا يفوته منها شيء، وهو محاسبهم عليها ومعاقبهم، لا رقيب عليهم إلا هو وحده، ﴿وَما أَنْتَ﴾ يا محمد بموكل بهم ولا مفوض إليك أمرهم، ولا قسرهم على الإيمان، إنما أنت منذر فحسب.
[﴿وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ﴾ ٧]
ومثل ذلك ﴿أَوْحَيْنا إِلَيْكَ﴾، وذلك إشارة إلى معنى الآية قبلها؛
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (يستعصمون مختارين): قيل: الاستعصام بناء مبالغة يدل على الامتناع البليغ والتحفظ الشديد، كأنهم في عصمة، ويجتهدون في الاستزادة.
قوله: (وذلك): إشارة إلى المعنى الآية قبلها، وهي قوله: ﴿اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ ومَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ﴾، كأنه صلوات الله عليه -على ما هو دأبه وعادته- يحرص على إيمان المشركين،