من أنّ الله هو الرقيب عليهم، وما أنت برقيب عليهم، ولكن نذير لهم، لأنّ هذا المعنى كرره الله في كتابه في مواضع جمة، والكاف مفعول به لـ ﴿أَوْحَيْنَا﴾، و ﴿قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾ حال من المفعول به، أي: أوحيناه إليك وهو قرآن عربي بين، لا لبس فيه عليك، لتفهم ما يقال لك، ولا تتجاوز حدّ الإنذار. ويجوز أن يكون ذلك إشارة إلى مصدر ﴿أَوْحَيْنَا﴾، أي: ومثل ذلك الإيحاء البين المفهم أوحينا إليك قرآنًا عربيًا بلسانك.
﴿لِتُنْذِرَ﴾ يقال: أنذرته كذا، وأنذرته بكذا، وقد عدي الأوّل، أعني: ﴿لِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى﴾ - إلى المفعول الأوّل، والثاني -وهو قوله: ﴿وَتُنذِرَ يَوْمَ الجَمْعِ﴾ - إلى المفعول الثاني، ﴿أُمَّ الْقُرى﴾ أهل أمّ القرى، كقوله تعالى: ﴿وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ﴾ [يوسف: ٨٢]، ﴿وَمَنْ حَوْلَها﴾ من العرب، وقرئ: لينذر بالياء والفعل للقرآن.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فجيء بقوله: ﴿والَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ﴾ إنكارًا عليه، وبنى عليه هذا النفي والإثبات للتشديد فيه، يعني: أمثال هؤلاء المصرين ليس في وسعك وقدرتك أن تهديهم، والله وحده هو القادر على ذلك، والذي عليك هو الإنذار فقط.
أما قوله: (وهو قرآن عربي لا لبس عليك فيه): فمعناه: أن القرآن مملوء من هذا النوع من الإنكار، وبين فيه بيانًا شافيًا لا يخفى عليك معناه؛ لأنه بلسانك عربي، وأنت تسلك فيه مسلك التورية والإيهام، ولا تترك الحرص البتة، وعلى مثل هذه التورية والمبالغة قد نص المصنف في قوله تعالى: ﴿أن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ﴾ [التوبة: ٨٠]، وقوله صلوات الله عليه: "سأزيد على السبعين".
قوله: (وقد عدي الأول -أعني: ﴿لِّتُنذِرُ أُمَّ القُرَى﴾ - إلى المفعول الأول، والثاني -وهو قوله: ﴿وتُنذِرَ يَوْمَ الجَمْعِ﴾ - إلى المفعول الثاني): فكأن التقدير: لتنذر أم القرى بما يجب أن تنذر به، ولتنذر أم القرى بيوم الجمع.


الصفحة التالية
Icon