﴿بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلًا﴾ بالجنس الذي جعله له مثلًا، أي: شبهًا؛ لأنه إذا جعل الملائكة جزءًا لله وبعضًا منه، فقد جعله من جنسه ومماثلًا له، لأن الولد لا يكون إلا من جنس الوالد، يعني: أنهم نسبوا إليه هذا الجنس، ومن حالهم: أن أحدهم إذا قيل له: قد ولدت لك بنت، اغتم واربدّ وجهه غيظًا وتأسفًا، وهو مملوء من الكرب. وعن بعض العرب: أن امرأته وضعت أنثى، فهجر البيت الذي فيه المرأة، فقالت:
ما لأبي حمزة لا يأتينا.... يظل في البيت الّذى يلينا
غضبان أن لا نلد البنينا.... ليس لنا من أمرنا ماشينا
وإنّما نأخذ ما أعطينا
والظلول: بمعنى الصيرورة، كما تستعمل أكثر الأفعال الناقصة بمعناها، وقرئ: "مسودّ" و"مسوادّ"، على أن في ﴿ظَلَّ﴾ ضمير المبشر، و ﴿وَجْهُهُ مُسْوَدًّا﴾ جملة واقعة موقع الخبر.
ثم قال: أو يجعل للرحمن من الولد من هذه الصفة المذمومة صفته؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يَشَاءُ إنَاثًا ويَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ}): التقديم في تلك الآية للرد على المعرضين المستوجبين لكل إهانة، وأن يفعل بهم ما لا يشاؤونه، وفي هذه: الرد وارد على نسبة البنات إلى الله عز وجل، فكان ذكر "البنات" هو الذي سيق له الكلام أصالةً، وذكر "البنين" مستطردًا لمزيد الإنكار والتتميم فيه، ويحتمل التقديم والتعريف أيضًا أن يكون لمراعاة الفواصل، لكن الوجه هو الأول.
قوله: (واربد وجهه): الجوهري: "تربد وجه فلان: تغير من الغضب، وتربد الرجل: أي: تعبس".
قوله: (ثم قال: أو يجعل للرحمن من الولد من هذه الصفة المذمومة صفته): آذن بأن الواو في ﴿أَوَ مَنْ﴾ تستدعي المعطوف والمعطوف عليه، والمعطوف عليه جملة قوله: ﴿أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ﴾، فيقدر المعطوف أيضًا فعلًا يناسبه، ويكون عاملًا في الموصول،


الصفحة التالية
Icon