[﴿وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ﴾ ٢٠]
﴿وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ﴾ هما كفرتان أيضًا مضمومتان إلى الكفرات الثلاث، وهما: عبادتهم الملائكة من دون الله، وزعمهم أن عبادتهم بمشيئة الله، كما يقول إخوانهم المجبرة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (هما كفرتان أيضًا): الجوهري: "الكفر- بالفتح-: التغطية، وقد كفرت الشيء أكفره- بالكسر- كفرًا؛ أي: سترته. والكفر أيضًا: ظلمة الليل وسواده، وكل شيء غطى شيئًا فقد كفره، قال ابن السكيت: ومنه سمي الكافر، لأنه يستر نعم الله سبحانه وتعالى".
قوله: (مضمومتان إلى الكفرات الثلاث): وهي ما عدها في قوله: إنهم جعلوا له من عباده جزاءًا، وإنه اتخذ بنات وأصفاهم بالبنين، وإنهم جعلوا الملائكة المكرمين إناثًا، وإنهم عبدوهم وقالوا: لو شاء الرحمن ما عبدناهم.
وأعلم أنه ذهب إلى قوله تعالى: ﴿وقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ﴾ معطوف على قوله: ﴿وجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا﴾، وعلى قوله: ﴿وجَعَلُوا المَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إنَاثًا﴾، ولا ارتياب في كون قولهم فيهما واعتقادهم كفرًا، فكذلك ينبغي حكم المعطوف، وإذا كان لقول بمشيئة الله كفرًا كان قول أهل السنة: "إن كفر الكافر بمشيئة الله" مثل قولهم، فيجب أن يكونوا أمثالهم، وإليه الإشارة بقوله: "كما يقول إخوانهم المجبرة".
واتجه عليه سؤال، وهو أنهم ذكروا ذلك استهزاء وسخرية، فذموا لذلك، نقل هذا القول الإمام عن بعض المفسرين. وفي "التيسير": قالوا ذلك استهزاء بقول أهل الحق: أن الكائنات كلها بمشيئة الله، لا اعتقادًا منهم، فلذلك كذبهم وجهلهم.
وأجاب عنه: بأن صرف الكلام من الحقيقة من غير صارف غير جائز، على أنا بينا أن الآيات كلها مسوقة على وتيرة واحدة، فإما أن تجرى كلها مجرى الاستهزاء، أو تؤول بأسرها على ما هي عليه، وإما أن يجعل بعضها استهزاء. ولا سبيل إلا الأول؛ لأن القول به يفضي إلى أن الكفار استهزؤوا بجعل الملائكة جزءًا لله، وبجعلها بنات لله وإناثًا، وهذا عين الإيمان،


الصفحة التالية
Icon