ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقال القاضي: "معناه: لو شاء عدم عبادة الملائكة ﴿مَا عَبَدْنَاهُم﴾، فاستدلوا بنفي مشيئة عدم العبادة على امتناع النهي عنها، أو على حسنها، وذلك باطل، لأن المشيئة ترجيح بعض الممكنات على بعض، مأمورًا كان أو منهيًا، حسنًا كان أو غيره، ولذلك جهلهم. ويجوز أن تكون الإشارة إلى أصل الدعوى، كأنه لما أبدى وجوه فسادها، وحكى شبههم المزيفة، نفى أن يكون لهم بها علم على طريق العقل، ثم أضرب عنه إلى إنكار أن يكون له سند من جهة النقل، فقال: ﴿أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا﴾ ".
وقال صاحب "الانتصاف": هذه الآية تزيد معتقدنا تمهيدًا، وقول الكافر: "لو شاء الله ما فعلت": كلمة حق يريد بها باطلًا، وأما إنها كلمة حق: فلقوله تعالى: ﴿يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ﴾ [الرعد: ٢٧] وأمثالها، ولأدلة العقل. وأما إرادته بها الباطل: فزعمه أنها حجة له على الله في أن لا يعاقبه، كما توهم القدرية ذلك، فأشركوا بربهم، بل اعتقدوا أن مشيئتهم تغلب مشيئة ربهم، فالذين أشركوا بالملائكة أرفع درجةً منهم، فإنما رد الله في هذه الآية احتجاجهم، فإن مقالتهم صدرت عن ظن كاذب وتخرص، فلذلك قال: ﴿إنْ هُمْ إلاَّ يَخْرُصُونَ﴾ و ﴿إنْ هُمْ إلاَّ يَظُنُّونَ﴾ [الجاثية: ٢٤]، وقال في أختها في الأنعام: ﴿قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ﴾ [الأنعام: ١٤٨]، فشبه حالهم في الخرص واتباع الظن بحال أوائلهم، وبين أن مقالتهم ناشئة عن خيال وتوهم، فلا حجة فيها على الله، بل لله الحجة البالغة عليهم، وبين أن التكذيب راجع إلى اعتقادهم، لا إلى نفس ما قالوه بتصحيح قولهم، بقوله: ﴿فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [الأنعام: ١٤٩]، فإن "لو" معناها الامتناع للامتناع، فلم يشأ هدايتهم، ولو شاءها لما ضلوا.
ولكسب العبد وتهيئه صارت الأفعال مناطًا للتكليف، للفرق الضروري بين الاختياري


الصفحة التالية
Icon