ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا معنى قول الإمام: "حكى عن القوم قولين باطلين، وبين وجه بطلانهما، ثم حكى بعدهما مذهبًا ثالثًا".
أما تقرير الكفرة الثالثة: فإنه تعالى لما حكى عنهم الكفرتين، وأنكر عليهم ذلك أبلغ الإنكار، جاء بكفرة أخرى لهم أطم من الأوليين مستطردًا، وهي عبادتهم الملائكة، ووزان هذه وزان قوله تعالى: ﴿وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آَبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَامُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: ٢٨]، والمعنى: إذا فعلوا أمرًا منكرًا بالغًا في القبح غايته، ووبخوا عليه، وبين لهم قبحه، قالوا معتذرين: إنا وجدنا آباءنا عليها، والله أمرنا بها.
فإذن لا استقلال لهذه الكفرة استقلال أختيهاـ، ولا بد من إنكار سابق، وهو اعتذار ومنه، فإذن لا استقلال، كما في قوله: ﴿وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا﴾، فحينئذ يمكن أن يحمل قولهم: ﴿لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُم﴾ على الاستهزاء، ويكون قوله: ﴿مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إنْ هُمْ إلاَّ يَخْرُصُونَ﴾ تجهيلًا لهم؛ لأن المستهزئ جاهل، ﴿قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ [البقرة: ٦٧]، أو يحمل على ما قالوا من أنه لا يجوز مخالفة الأمر للمشيئة، كما ذهب إليه الإمام وصاحب "الفرائد"، وهو الوجه؛ لتنصيص الله الأمر في قوله: ﴿وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا﴾ [الأعراف: ٢٨]، وتصريح الرد بقوله: ﴿قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَامُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: ٢٨].
و﴿أَمْ﴾ -في قوله: ﴿أَمْ آتَيْنَاهُمْ﴾ - منقطعة، و"بل" فيها إضراب عن قوله: ﴿مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إنْ هُمْ إلاَّ يَخْرُصُونَ﴾ تكذيبًا لهم، ونفيًا للعلم عنهم إلى ما هو أبلغ


الصفحة التالية
Icon