وأن تكون ﴿إِلَّا﴾ صفة بمعنى: غير، على أن «ما» في "ما تعبدون" موصوفة، تقديره: إنني براء من آلهة تعبدونها غير الذي فطرني، فهو نظير قوله تعالى: ﴿لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا﴾ [الأنبياء: ٢٢]. فإن قلت: ما معنى قوله: ﴿سَيَهْدِينِ﴾ على التسويف؟ قلت: قال مرة: ﴿فَهُوَ يَهْدِينِ﴾ [الشعراء: ٧٨]، ومرّة: ﴿فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ﴾، فاجمع بينهما وقدّر، كأنه قال: فهو يهدين وسيهدين، فيدلان على استمرار الهداية في الحال والاستقبال.
﴿وَجَعَلَها﴾ وجعل إبراهيم صلوات الله عليه كلمة التوحيد التي تكلم بها -وهي قوله: ﴿إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي﴾ - ﴿كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ﴾ في ذريته، فلا يزال فيهم من يوحد الله ويدعو إلى توحيده، لعل من أشرك منهم يرجع بدعاء من وحد منهم، ونحوه: ﴿وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ﴾ [البقرة: ١٣٢]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (فاجمع بينهما وقدر): كأنه قال: فهو يهدين وسيهدين، يعني: لما عبر عن العبارة الواحدة في الموضعين بلفظين مخالفين حالًا واستقبالًا، لا ينبغي أن يحمل كلا على ظاهره، بل أن يجمع بينهما، ويعتبر استمرار الحال والاستقبال، أي: أنه تعالى يهديني فيما أنا فيه من الزمان حالًا فحالًا، كما سيهديني فيما يجيء زمانًا غب زمان، فإذا كل واحد من ﴿يَهْدِينِ﴾ و ﴿سَيَهْدِينِ﴾ في مكانه مفيدًا لمعنى الاستمرار.
قوله: (لعل من أشرك منهم يرجع بدعاء من وحد منهم): إشارة إلى أن ﴿لَعَلَّهُمْ﴾ تعليل لجعل الكلمة باقية في عقب إبراهيم؛ ليدعو الموحد المشرك نسلًا بعد نسل إلى الملة الحنيفة.
قوله: (ونحوه: ﴿ووَصَّى بِهَا إبْرَاهِيمُ بَنِيهِ ويَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إلاَّ وأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾): أي: في أن الضمير في "وصى بها" يرجع إلى معنى "الكلمة" في


الصفحة التالية
Icon