ثم أردفه قوله: ﴿وَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ قالُوا هذا سِحْرٌ﴾، فما طريقة هذا النظم ومؤداه؟ قلت: المراد بالتمتيع ما هو سبب له، وهو اشتغالهم بالاستمتاع عن التوحيد ومقتضياته، فقال عز وجل: بل اشتغلوا عن التوحيد حتى جاءهم الحق ورسول مبين، فخيل بهذه الغاية أنهم تنبهوا عندها عن غفلتهم لاقتضائها التنبه.
ثم ابتدأ قصتهم عند مجيء الحق فقال: ولما جاءهم الحق جاءوا بما هو شر من غفلتهم التي كانوا عليها، وهو أن ضموا إلى شركهم معاندة الحق، ومكابرة الرسول ومعاداته، والاستخفاف بكتاب الله وشرائعه، والإصرار على أفعال الكفرة، والاحتكام على حكمة الله في تخير محمد من أهل زمانه، بقولهم: ﴿لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾، وهي الغاية في تشويه صورة أمرهم.
قرئ: "على رجل"، بسكون الجيم، ﴿مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ﴾: من إحدى القريتين، كقوله تعالى: ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ﴾ [الرحمن: ٢٢]، أي من أحدهما. والقريتان: مكة والطائف. وقيل: من رجلي القريتين، وهما: الوليد بن المغيرة المخزومي وحبيب بن عمرو بن عمير الثقفي، عن ابن عباس. وعن مجاهد: عتبة بن ربيعة وكنانة بن عبد ياليل. وعن قتادة: الوليد بن المغيرة وعروة بن مسعود الثقفي، وكان الوليد يقول: لو كان حقًا ما يقول محمد لنزل هذا القرآن علي أو على أبي مسعود الثقفي، وأبو مسعود: كنية عروة بن مسعود.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (والاحتكام): يقال: حكمته في مالي: إذا ما جعلت إليه الحكم فيه، فاحتكم علي في ذلك.
قوله: (وهي الغاية في تشويه صورة أمرهم): أي هذه الأمور المذكورة؛ من معاندة الحق مع الشرك، ومكابرة الرسول، والمعادة، والاستخفاف، والإصرار، والاحتكام.
قوله: (من رجلي القريتين): قال أبو البقاء: "قيل: التقدير: على رجل من رجلين من القريتين. وقيل: كان الرجل يسكن مكة والطائف، ويتردد إليهما، فصار كأنه من أهلهما".


الصفحة التالية
Icon