ما زالوا ينكرون أن يبعث الله بشرًا رسولًا، فلما علموا بتكرير الله الحجج
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ما زالوا ينكرون أن يبعث الله بشرًا رسولًا): أي: كانوا يصرون على أن الرسالة مختصة بالملك، وينكرون أن البشر يبعث رسولًا، أشار إلى أن الكلام فيه تنزل، وهو كذلك، لكن على تخصيص هذا المعنى- وهو إنكار رسالة البشر- لا دليل فيه، ولا التنزل يقتضي أن يكون ذكر القرآن فيه للتعظيم لا الاستهانة، والظاهر أن ذلك التقدير غير مفتقر إليه؛ لأن في عطف ﴿وقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ﴾ على ﴿قَالُوا هَذَا سِحْرٌ﴾ استغناء عنه، وذلك أنه تعالى لما وصف القرآن بالحق، وأسند إليه المجيء، ونعت الرسول بالمبين، دل على إظهار حقيتها بالدلائل الظاهرة والمعجزات القاهرة، فعند ذلك عجزوا وانخزلوا، وقالوا مكابرين معاندين: ﴿هَذَا سِحْرٌ﴾، أي: باطل، سموا الحق باطلًا، وزادوا شرارةً فضموا إليه: ﴿وإنَّا بِهِ كَافِرُونَ﴾، نحو قوله تعالى: ﴿أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ﴾ إلى قوله: ﴿قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ﴾ [يونس: ٢]، قال: "والذي تعجبوا منه أن يوحى إلى بشر، وأن يكون من أفناء رجالهم، دون عظيم من عظمائهم، وكانوا يقولون: العجب أن الله لم يجد رسولًا يرسله إلا يتيم أبي طالب"، وقال في قوله: ﴿إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ﴾: "وهو دليل عجزهم واعترافهم به، وإن كانوا كاذبين في تسميته سحرًا".
ثم قالوا على سبيل التنزل: ﴿لَوْلا نُزِّلَ هَذَا القُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ القَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾، يعني: هبوا أنه حق وصدق، فهلا نزل على أحد هذين الرجلين لتقدمهما ورئاستهما، فهما بذلك أحق به من محمد، لأنه يتيم فقير، وما يدل على أن كلامهم كان مبنيًا على الحسد لا على استهانة القرآن: قوله تعالى: ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ﴾، ونحوه عن أبي جهل: والله


الصفحة التالية
Icon