أن الرسل لم يكونوا إلا رجالًا من أهل القرى، جاءوا بالإنكار من وجه آخر، وهو تحكمهم أن يكون أحد هذين، وقولهم: ﴿هَذَا الْقُرْآنُ﴾ ذكر له على وجه الاستهانة به، وأرادوا بعظم الرجل: رئاسته وتقدّمه في الدنيا، وعزب عن عقولهم أن العظيم من كان عند الله عظيمًا.
[﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ ٣٢]
﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ﴾ هذه الهمزة للإنكار المستقل بالتجهيل والتعجيب من اعتراضهم وتحكمهم،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إن محمدًا لصادق، وما كذب قط، ولكن إذا ذهب بنو قصي باللواء والسقاية والنبوة، فماذا يكون لسائر قريش؟
وقال القاضي: "زعموا أن الرسالة منصب عظيم لا يليق إلا بعظيم، ولم يعملوا أنها رتبة روحانية، تستدعي عظم النفس بالتحلي بالفضائل والكمالات القدسية، لا التزخرف بالزخارف الدنيوية".
قوله: (وقولهم: ﴿هَذَا القُرْآنُ﴾ ذكر له على وجه الاستهانة): "قولهم": مبتدأ، و "ذكر له": خبره، والاستهانة تفهم من لفظه "هذا"، ومن تسميته بـ "القرآن"، كقوله فرعون: ﴿إِنَّ رَسُولَكُمُ﴾ [الشعراء: ٢٧]، قال الزجاج: " ﴿هَذَا﴾ في موضع رفع، و ﴿القُرْآنُ﴾ مبين عنه، ويسميه سيبويه: عطف البيان، لأن لفظه لفظ الصفة، ويدل على أنه عطف بيان قولك: مررت بهذا الرجل، وهذه الدار".
قوله: (للإنكار المستقبل بالتجهيل): النهاية: "الاستقلال: بمعنى الارتفاع والاستبداد، يقال: تقلل الشيء واستقله".


الصفحة التالية
Icon