﴿وَلَا يَمْلِكُ﴾ آلهتهم ﴿الَّذِينَ يَدْعُونَ﴾ من دون الله الشفاعة، كما زعموا أنهم شفعاؤهم عند الله، ولكن ﴿مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ﴾ - وهو توحيد الله، وهو يعلم ما يشهد به عن بصيرة وإيقان وإخلاص-: هو الذي يملك الشفاعة، وهو استثناء منقطع. ويجوز أن يكون متصلًا، لأنّ في جملة الذين يدعون من دون الله: الملائكة. وقرئ: "تدعون" بالتاء، و"تدّعون" بالتاء وتشديد الدال.
[﴿وَقِيلِهِ يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ * فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ ٨٨ - ٨٩]
﴿وَقِيلِهِ﴾ قرئ بالحركات الثلاث، وذكر في النصب عن الأخفش أنه حمله على: ﴿أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ﴾ وقيله: وعنه- أي: عن الأخفش- وقال قيله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (﴿وقِيلِهِ﴾ [قرئ] بالحركات الثلاث): حمزة وعاصم: بخفض اللام وكسر الهاء، والباقون: بنصب اللام وضم الهاء، وضم اللام: شاذ.
قوله: (وعنه -أي: عن الأخفش- وقال قيله): أي: هو مصدر لفعل محذوف، أيك وقال الرسول ﷺ قيلًا، وفي "الكواشي": "والقيل والقول والقال: واحد".
وقلت: يمكن أن يقال: إنه تعالى يحكي عن حالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كأنه قيل: إنه آيس عن إيمانهم عند سماع قولنا له: ﴿ولَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾، وقال قولًا، وهو: ﴿يَا رَبِّ إنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ لاَّ يُؤْمِنُونَ﴾، وينصر هذا التأويل ترتب قوله: ﴿فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وقُلْ سَلامٌ﴾، لأنه أمر بالمتاركة والإعراض الكلي، وقوله أيضًا: ﴿فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾، فإنه وعيد لهم، ووعد له صلوات الله عليه في أنه تعالى ينتقم لك منهم، ويجازيك وإياهم على حسناتك وسيئاتهم، كقوله تعالى: ﴿وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآَتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ﴾ [الحجر: ٨٥]، وإليه الإشارة بقوله: "فأعرض عن دعوتهم يائسًا عن إيمانهم، وودعهم، وتاركهم" إلى قوله: " ﴿فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ وعيد للكفار، وتسلية للرسول ﷺ ".