الذي هو قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ﴾، كأنه قيل: أنزلناه لأن من شأننا الإنذار والتحذير من العقاب، وكان إنزالنا إياه في هذه الليلة خصوصًا؛ لأنّ إنزال القرآن من الأمور الحكيمة، وهذه الليلة مفرق كل أمر حكيم.
والمباركة: الكثيرة الخير؛ لما يتيح الله فيها من الأمور التي يتعلق بها منافع العباد في دينهم ودنياهم، ولو لم يوجد فيها إلا إنزال القرآن وحده لكفى به بركة.
ومعنى ﴿يُفْرَقُ﴾ يفصل ويكتب، ﴿كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ من أرزاق العباد وآجالهم وجميع أمورهم، منها إلى الأخرى القابلة. وقيل: يبدأ في استنساخ ذلك من اللوح المحفوظ في ليلة البراءة، ويقع الفراغ في ليلة القدر، فتدفع نسخة الأرزاق إلى ميكائيل، ونسخه الحروب إلى جبريل، وكذلك الزلازل والصواعق والخسف، ونسخة الأعمال إلى إسماعيل صاحب سماء الدنيا، وهو ملك عظيم، ونسخة المصائب إلى ملك الموت. وعن بعضهم: يعطى كل عامل بركات أعماله،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
معتنقًا بالأول غير مستقل بنفسه- كما عليه النشر المتعارف، لأنه لا يتم إلا بأن يقال: إنما خصص إنزاله بهذه الليلة لأنه من الأمور المحكمة، وهذه الليلة مفرق كل أمر حكيم، فناسب إنزاله فيها- قال: "جملتان مستأنفتان ملفوفتان"، وأعجب بنشر فيه لف.
قوله: ﴿كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ من أرزاق العباد): روى محيي السنة بإسناده عن النبي ﷺ أنه قال: "تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان، حتى أن الرجل لينكح ويولد له، وقد أخرج اسمه في الموتى".


الصفحة التالية
Icon