وفصل كل أمر من قسمة الأرزاق وغيرها: من باب الرحمة، وكذلك الأوامر الصادرة من جهته عز وعلا، لأنّ الغرض في تكليف العباد تعريضهم للمنافع، والأصل: إنا كنا مرسلين رحمة منا، فوضع الظاهر موضع الضمير؛ إيذانًا بأنّ الربوبية تقتضي الرحمة على المربوبين.
وفي قراءة زيد بن على: "أمر من عندنا"، على: هو أمر، وهي تنصر انتصابه على الاختصاص. وقرأ الحسن: "رحمة من ربك"، على: تلك رحمة، وهي تنصر انتصابها بأنها مفعول له.
﴿إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ وما بعده: تحقيق لربوبيته، وأنها لا تحق إلا لمن هذه أوصافه، وقرئ: "رب السماوات" "ربكم ورب آبائكم" بالجر، بدلًا من ﴿ربك﴾.
فإن قلت: ما معنى الشرط الذي هو قوله: ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ﴾؟ قلت: كانوا يقرون بأن للسماوات والأرض ربًا وخالقًا،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (على: تلك رحمة من ربك): وهي تنصر انتصابها مفعولًا له، وقال صاحب "التقريب": إذ لو كانت مفعولًا به لدل اللفظ على أن المرسل رحمة، لا الإرسال، وفيه نظر. وقلت: كلام المصنف لا يشعر بذلك، بل فيه: أن ﴿رَحْمَةً﴾ إذا قطعت وجعلت جملة مستأنفةً تعينت لبيان الموجب للإرسال.
قوله: (كانوا يقرون بأن للسماوات والأرض ربًا): هذا الفصل إلى آخره فيه بيان للإشارات والتلويحات التي تضمنت الآيات؛ بدأ الله سبحانه وتعالى بتعظيم الألوهية، وتعظيم كتابه الحكيم، ورسوله الكريم، حيث أتى بالصيغة المنبهة على الجلال والكبرياء، وهي: ﴿إنَّا أَنزَلْنَاهُ﴾ إلى قوله: ﴿إنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ﴾، ثم خص الخطاب برسوله صلوات الله عليه، والمراد