[﴿أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ * ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ * إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عائِدُونَ * يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ﴾ ١٣ - ١٦]
﴿أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى﴾ كيف يذكرون ويتعظون ويفون بما وعدوه من الإيمان عند كشف العذاب، ﴿وَقَدْ جاءَهُمْ﴾ ما هو أعظم وأدخل في وجوب الادّكار من كشف الدخان، وهو ما ظهر على رسول الله ﷺ من الآيات البينات؛ من الكتاب المعجز وغيره من المعجزات، فلم يذكروا، وتولوا عنه، وبهتوه بأن عداسًا -غلامًا أعجميًا لبعض ثقيف- هو الذي علمه، ونسبوه إلى الجنون.
ثم قال: ﴿إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عائِدُونَ﴾ أي: ريثما نكشف عنكم العذاب تعودون إلى شرككم، لا تلبثون غب الكشف على ما أنتم عليه من التضرع والابتهال.
فإن قلت: كيف يستقيم على قول من جعل الدخان قبل يوم القيامة قوله: ﴿إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا﴾؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فإن قلت: فسرت اللزام بيوم بدر، وكذا فسره المصنف في آخر الفرقان، ثم لا يخلو أن يراد ب"البطشة الكبرى": يوم القيامة أو يوم بدر، فيلزم من الأول أن البطشة الكبرى مترقبة، ولقد روي في الحديث أنها قد مضت، ومن الثاني أن لا يكون المعدود خمسًا؟
قلت: إذا وصف يوم بدر بأمرين: بأن العذاب كان شديدًا كثيرًا، وأن ذلك العذاب كان ملازمًا للقتلى كما ذكر في القرآن؛ يستقيم المعدود، وأما تفسير "البطشة الكبرى" بيوم القيامة فهو مشكل، اللهم إلا أن يذهب إلى التغليب، أو أن ما هو كائن بمنزلة الكائن، كقوله تعالى: ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ﴾ [الأعراف: ٤٤].
قوله: (فإن قلت: كيف يستقيم على قول من جعل الدخان): تحرير السؤال والجواب ما ذكر في" التفسير الكبير": "أنه تعالى حكى عنهم أنهم يقولون: ﴿رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا العَذَابَ إنَّا مُؤْمِنُونَ﴾،


الصفحة التالية
Icon