ومعناه أنه عائذ بربه متكل على أنه يعصمه منهم ومن كيدهم، فهو غير مبال بما كانوا يتوعدونه به من الرجم والقتل.
﴿فَاعْتَزِلُونِ﴾ يريد: إن لم تؤمنوا لي، فلا موالاة بيني وبين من لا يؤمن، فتنحوا عني، واقطعوا أسباب الوصلة عني، أو فخلوني كفافًا لا لي ولا عليّ، ولا تتعرضوا لي بشركم وأذاكم، فليس جزاء من دعاكم إلى ما فيه فلاحكم ذلك.
[﴿فَدَعا رَبَّهُ أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ * فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ * وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ﴾ ٢٢ - ٢٤]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (فلا موالاة بيني وبين من لا يؤمن): يريد: أن قوله: ﴿فَاعْتَزِلُونِ﴾ مسبب عن جواب الشرط، وأقيم مقامه، وإنما عم ولم يقل: فلا موالاة بيني وبينكم؛ ليؤذن بأن هذا دأبه وعادته، وليس مختصًا بهم.
الراغب: "الاعتزال: تجنب الشيء؛ عمالةً كانت أو براءةً أو غيرهما، بالبدن كان أو بالقلب، يقال: عزلته وتعزلته فاعتزل، وقوله تعالى: ﴿إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ﴾: أي: ممنوعون بعد أن كانوا يمكنون، والأعزل: الذي لا رمح معه".
قوله: (أو فخلوني كفافًا): عطف على: "فتنحوا عني"، وعلى هذا الوجه: ﴿فَاعْتَزِلُونِ﴾: كناية عن تركه، وإن لم يوجد الاعتزال بالأبدان.
النهاية: "وفي حديث عمر رضي الله عنه: " وددت أني سلمت من الخلافة كفافًا، لا علي ولا لي"؛ الكفاف: هو الذي لا يفضل عن الشيء، ويكون بقدر الحاجة إليه، وهو نصب على الحال، وقيل: أراد به: مكفوفًا عني شرها، وقيل: معناها: أن لا تنال مني ولا أنال منها، أي: تكف عني وأكف عنها".


الصفحة التالية
Icon