[﴿إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ * فَاتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ ٣٥ - ٣٦]
﴿هؤُلاءِ﴾ إشارة إلى كفار قريش.
فإن قلت: كان الكلام واقعًا في الحياة الثانية، لا في الموت، فهلا قيل: إن هي إلا حياتنا الأولى وما نحن بمنشرين، كما قيل: ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ﴾ [الأنعام: ٢٩]؟ وما معنى قوله: ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى﴾؟ وما معنى ذكر "الأولى"؟ كأنهم وعدوا موتة أخرى، حتى نفوها وجحدوها، وأثبتوا الأولى؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من الطاعة، وتسلمون لأمر الله أم لا؟ "، والمعنى على الأول: لنبلونكم بالنعم المتوالية المتظاهرة، فهل تشكرون الله وتزيدون في طاعاتكم، أم تتجبرون وترومون علوًا في الأرض وفسادًا.
قوله: (﴿هَؤُلَاءِ﴾ إشارة إلى كفار قريش): وفيه تحقير لشأنهم وازدراء بهم، ولهذا قال: ﴿أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ﴾ [الدخان: ٣٧].
اعلم أنه تعالى لما حكى عن المشركين إعراضهم عن رسول الله ﷺ وطعنهم فيه، بقوله: ﴿أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ * ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وقَالُوا مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ﴾ [الدخان: ١٣ - ١٤]، وهددهم بقوله: ﴿يَوْمَ نَبْطِشُ البَطْشَةَ الكُبْرَى إنَّا مُنتَقِمُونَ﴾ [الدخان: ١٦]، وضرب لهم مثل قوم فرعون ومجيء رسول الله كريم إليهم، وقصدهم إياه، وتدمير الله وقطع دابرهم؛ اعتبارًا واتعاظًا، أتى: بما هو أطم من الأول، وهو تكذيب الله بأن لا بعث ولا حشر، وأن الله تعالى ما خلق السماوات والأرض بالحق، بل خلقهما باطلًا، لأنه سبق مرارًا وأطوارًا أنه تعالى ما خلق السماوات والأرض إلا ليوحد ويعبد، ثم لا بد أن يجزي المطيع والعاصي، وليست هذه دار الجزاء.