قلت: معناه -والله الموفق للصواب-: أنه قيل لهم: إنكم تموتون موتة تتعقبها حياة، كما تقدّمتكم موتة قد تعقبتها حياة، وذلك قوله عزّ وجل: ﴿وَكُنْتُمْ أَمْواتًا فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ﴾ [البقرة: ٢٨]،..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (معناه- والله الموفق للصواب-: أنه قيل لهم: إنكم تموتون موتةً تتعقبها حياة): قال صاحب "الانتصاف": "أظهر من ذلك أنهم وعدوا بعد الحياة الدنيا حالتين: موت ثم بعث، وآمنوا بأولاهما، وهي الموت، ونفوا الثانية وسموها الأولى، وإن لم يعتقدوا شيئا بعدها، لأنهم نزلوا جهدهم على الإثبات، وهذا أولى من حمل الموتة الأولى على السابقة على الحياة الدنيا، لأنهم يعتقدون الحصر في هذه الموتة، لأنهم اعتقدوا الموتة التي تعقب الحياة الدنيا، وحمل الحصر المباشر للموت في كلامهم على صفة لم تذكر: عدول عن الظاهر بلا حاجة، لأن الموت السابق على الدنيا لا يعبر عنه الموتة؛ لأن فيها إشعارًا بالتجدد، والموت السابق مستصحب لم تتقدمه حياة. هذا مع أنه في الآية الأخرى وافق على أن ما الموت إلا الموتة الأولى، وإنما عنى بالموتة الأولى ما بعد الحياة الدنيا".
الإنصاف: "إنما يعين ذلك في هذه الآية القرينة: ﴿لا يَذُوقُونَ﴾ [الدخان: ٥٦]، فالموتة الأولى لا يذوقونها، ويبطل قول صاحب "الانتصاف" أن الأولى ولأخرى لا تستعملان إلا فيما يشترك فيه مع ما قرنت به في الشيء المذكور، فلا يصح أن يقال: جاءني رجل وامرأة أخرى، والموتة مغايرة للحياة، فلا يصح أن يقال فيها: "أولى" بالنسبة إلى الحياة".
وقلت: وقوله: "وحمل الحصر المباشر للموت في كلامهم على صفة لم تذكر: عدول عن الظاهر": منظور فيه أيضًا؛ لأن التعريف في ﴿المَوْتَةَ الأُولَى﴾ للعهد، وهو قرنية دالة على أن المراد بـ"الموتة الأولى" الموتة المعهودة، ولذلك استشهد بقوله: ﴿وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ﴾ [البقرة: ٢٨]، ولأن في إثباتهم أداة الحصر- لأن "إن"


الصفحة التالية
Icon