وقرأ: "ميقاتهم" بالنصب؛ على أنه اسم "إن"، و"يوم الفصل" خبرها، أي: إنّ ميعاد حسابهم وجزائهم في يوم الفصل.
﴿لا يُغْنِي مَوْلًى﴾ أي مولى كان من قرابة أو غيرها، ﴿عَنْ مَوْلًى﴾ عن أي مولى كان، ﴿شَيْئًا﴾ من إغناء، أي: قليلًا منه، ﴿وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ﴾ الضمير للموالي، لأنهم في المعنى كثير، لتناول اللفظ على الإبهام والشياع كل مولى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقلت: هاهنا المشركون لما أنكروا الحشر بقولهم: ﴿إنْ هِيَ إلاَّ مَوْتَتُنَا الأُولَى ومَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ﴾، وبخهم بقوله: ﴿أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ﴾؛ إيذانًا بأن هذا الإنكار ليس عن حجة قاطعة ودليل ظاهر، بل عن مجرد حب العاجلة، والتمتع بملاذ الدنيا، والاغترار بالمال والمنال، ثم قرر أن الحشر لا بد منه؛ لأنا ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما للعبث، جل جنات الجلال عن ذلك، بل بالحق، وهو أن اعبدوا ووحدوا، ولا بد لمن عبد ووحد، ولمن أعرض وأشرك، من الثواب والعقاب، فكيف يقال: ﴿وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ﴾؟ !
وقوله: ﴿ولَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ﴾ تذييل وتجهيل عظيم لمنكري الحشر وتوكيد، لأن إنكارهم يؤدي إلى إبطال الكائنات بأسرها، ﴿وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾ [النور: ١٥]، ولهذا قالوا: ﴿رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [آل عمران: ١٩١].
قوله: (﴿شَيْئًا﴾ من إغناء): أي: "شيئًا" نصب على المصدر، وعن بعضهم: يجوز أن يكون مفعولًا به، من قولهم: أغن عني وجهك، والمعنى: أنه لا يبعد عنه شيئًا، وفي الكلام تتميم ومبالغة، أي: ﴿لا يُغْنِي مَوْلًى﴾ أي مولى كان، إغناءً أي إغناء كان.
قوله: (لتناول اللفظ على الإبهام والشياع): يعني: جاز عود الضمير وهو مجموع، إلى ﴿مَوْلًى﴾ وهو مفرد؛ لأنه لفظ مطلق شائع في جنسه متناول للكل وللبعض على سبيل البدل، فكان عود ضمير الجمع فرينةً على إرادة الكل.


الصفحة التالية
Icon