فإن قلت: العطف على عاملين على مذهب الأخفش سديد لا مقام فيه، وقد أباه سيبويه، فما وجه تخريج الآية عنده؟ قلت: فيه وجهان: أحدهما: أن يكون على إضمار "في"، والذي حسنه تقدّم ذكره في الآيتين قبلها، ويعضده قراءة ابن مسعود. والثاني: أن ينتصب "آيات" على الاختصاص بعد انقضاء المجرور معطوفًا على ما قبله أو على التكرير،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في قوله: ﴿آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ لابد من العطف على عاملين، قال ابن الحاجب: "اختلف الناس في مسألة العطف على عاملين: فمنهم من يمنعه، وهم أكثر البصريين، ومنهم من يجوزه، وهم أكثر الكوفيين، ومنهم من يفصل فيقول: أما مثل قولك: "في الدار زيد والحجرة عمرو" فجائز، وأما مثل قولك: " زيد في الدار وعمرو الحجرة" فلا يجوز؛ لأن إحدى المسألتين: المجرور فيها يلي العاطف، فقام العاطف فيها مقام الجار، والأخرى: ليس المجرور فيها يلي العاطف، فكان فيها إضمار الجار من غير عوض. وأما من يمنع العطف على عاملين فيقول في الآيات: إن ﴿آيَاتٌ﴾ فيها تأكيد لـ ﴿آيَاتٌ﴾ الأولى، ولو كانت موضع "الآيات" الأخيرة لفظة أخرى لم يجز".
قوله: (بعد انقضاء المجرور): وهو قوله: "اختلاف" و"ما أنزل" و"تصريف الرياح".
قوله: (أو على التكرير): قال أبو البقاء: "كرر (آيات) للتوكيد؛ لأنها من لفظ (آيات) الأولى، وإعرابها كإعرابها، كقولك: أن بثوبك دمًا وبثوب زيد دمًا، فـ "دم" الثاني مكرر؛ لأنك مستغن عن ذكره".
قال مكي: "و (آيات) نصب على التكرير لما طال الكلام، كما تقول: ما زيد قائمًا ولا جالسًا زيد، فتنصب "جالسًا" على أن زيدًا الآخر هو الأول، جيء به مؤكدًا، ولو كان غير الأول لم يجز نصب "جالسًا"؛ لأن خبر "ما" لا يتقدم على اسمها، بخلاف (ليس) ".


الصفحة التالية
Icon