ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لهم آيات، وأما قوله: ﴿وفِي خَلْقِكُمْ﴾ الآية: فإن عجائب الله في خلق الحيوان من الأعضاء والخواص التي يدرك بها المدركات، وما في باطنه من جواذب المواد التي بها قوام الحياة، ثم الروح التي بها ثبات الأجساد، أكثر من أن تحصى وتعد، فإن عرضت شبهة الملحد بأن كون الولد من الوالدين ومن نطفهما يأخذ شبههما، فإنه يطرح ذلك، ويزاح بالآيات التي ليس إلى الوالد فعلها، ولا جارحة من جوارحه تحيط علمًا بتلفيقها، وحكمةً في تركيبها، فثبت أن يكون فاعلها من صنعها وزينها بالعقل الذي هو أكبر نعمة الله تبارك وتعالى، فهذا الفكر ينتقل من ظن إلى علم، ومن شك إلى يقين، ولذلك لا يوصف الله تعالى، بأنه موقن، بل عالم. وخصت الآية الأخيرة بقوله: ﴿يَعْقِلُونَ﴾؛ لأنهم يعقلون من إحياء الأرض بالمطر حتى تكتسبي بالنبات والشجر أنه يحيي العظام وهي رميم، هذا موضع يقال فيه: عقل من كذا كذا، أي: استدركه بالعقل بعد أن لم يكن مستدركًا له، كما أن أصل الوصف بالعاقل موضوع لحالة ثابتة ومعرفة طارئة".
وقال الإمام: "ذكر هنا ثلاثة مقاطع: ﴿يُؤْمِنُونَ﴾ و ﴿يُوقِنُونَ﴾ و ﴿يَعْقِلُونَ﴾، فكأنه قيل لهم: أن كنتم من المؤمنين فافهموا هذه الدلائل، وإن كنتم لستم من المؤمنين، بل أنتم من طلاب الجزم واليقين فافهموا تلك الدلائل، وإن كنتم لستم من هؤلاء ولا من هؤلاء فلا أقل من أن تكونوا من زمرة العاقلين، فاجتهدوا في معرفة الدلائل".
وقلت: وعلى هذا هو من باب التنزل، وبيان ذلك: أن الناس ثلاث طبقات: منهم من سلمت فطرته الأصلية من الشكوك، ومنهم من اجتالتهم شياطين الإنس والجن، وأبطلت استعداداتهم كالفلاسفة، ومنهم من بقي بين المنزلتين، ووقع في ورطة الشكوك والشبهات.