﴿بَيِّناتٍ﴾ آيات ومعجزات، ﴿مِنَ الْأَمْرِ﴾ من أمر الدين، فما وقع بينهم الخلاف في الدين ﴿إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ﴾ ما هو موجب لزوال الخلاف، وهو ﴿العِلْمُ﴾، وإنما اختلفوا لبغي حدث بينهم، أي: لعداوة وحسد.
[﴿ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ﴾ ١٨ - ١٩]
﴿عَلى شَرِيعَةٍ﴾ على طريقة ومنهاج، ﴿مِنَ الْأَمْرِ﴾ من أمر الدين، فاتبع شريعتك الثابتة بالدلائل والحجج، ﴿وَلَا تَتَّبِعْ﴾ ما لا حجة عليه من أهواء الجهال. ودينهم المبنى على هوى وبدعة -وهم رؤساء قريش حين قالوا: ارجع إلى دين آبائك-، ولا توالهم؛ إنما يوالي الظالمين من هو ظالم مثلهم، وأما المتقون: فوليهم الله، وهم موالوه. وما أبين الفصل بين الولايتين.
[﴿هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ ٢٠]
﴿هَذَا﴾ القرآن ﴿بَصائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى﴾ جعل ما فيه من معالم الدين والشرائع بمنزلة البصائر في القلوب، كما جعل روحًا وحياة، (و) هو (هدًى) من الضلالة، ﴿وَرَحْمَةٌ﴾ من العذاب لمن آمن وأيقن. وقرئ: "هذه بصائر"، أي: هذه الآيات.
[﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ﴾ ٢١]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فإذن الخبر مضمر، كما أضمر "الشمس" في قوله: ﴿حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ﴾ [ص: ٣٢]، لأن ﴿إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ﴾ [ص: ٣٢] دليل على تواري الشمس.
قوله: (بمنزلة البصائر في القلوب): البصيرة في القلب: ما يستبصر به الإنسان، كما أن البصر في العين: ما يبصر به. وقيل: أن البصيرة نور القلب، كما أن البصر نور العين.


الصفحة التالية
Icon