لافتراق أحوالهم أحياء، حيث عاش هؤلاء على القيام بالطاعات، وأولئك على ركوب المعاصي، ومماتًا، حيث مات هؤلاء على البشرى بالرحمة والوصول إلى ثواب الله ورضوانه، وأولئك على اليأس من رحمة الله والوصول إلى هول ما أعدّ لهم. وقيل: معناه: إنكار أن يستووا في الممات كما استووا في الحياة، لأنّ المسيئين والمحسنين مستوٍ محياهم في الرزق والصحة، وإنما يفترقون في الممات، وقيل: (سواء محياهم ومماتهم) كلام مستأنف على معنى: أن محيا المسيئين ومماتهم سواء، وكذلك محيا المحسنين ومماتهم، كل يموت على حسب ما عاش عليه.
وعن تميم الداري رضي الله عنه: أنه كان يصلي ذات ليلة عند المقام، فبلغ هذه الآية، فجعل يبكي ويردّد إلى الصباح: ﴿سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾. وعن الفضيل: أنه بلغها فجعل يردّدها ويبكي ويقول: يا فضيل، ليت شعري من أي الفريقين أنت؟
[﴿وَخَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ﴾ ٢٢]
﴿وَلِتُجْزى﴾ معطوف على ﴿بِالحَقِّ﴾، لأنّ فيه معنى التعليل،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقال مكي: " (ما) - في قوله: ﴿سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ - أن جعلت معرفةً كانت في موضع رفع بـ ﴿سَاءَ﴾ فاعلًا، وإن جعلت نكرةً كانت في موضع نصب على البيان".
قوله: ("سواء محياهم ومماتهم"): كلام مستأنف، وذلك أنه حين أنكر حسبان أن يستوي الكافر والمؤمن، قيل: فإذن كيف الحال؟ فأجيب: أن المؤمن يعيش حميدًا ويموت سعيدًا، يعيش في طاعة الرحمن، ثم المرجع إلى الرضوان، والكافر يعيش في طاعة الشيطان، والمآب إلى النيران، فأنى يستويان.
قوله: ﴿ولِتُجْزَى﴾ معطوف على ﴿بِالْحَقِّ﴾، لأن فيه معنى التعليل): أي: إنما خلقها