﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ﴾ ٥]
﴿وَمَنْ أَضَلُّ﴾ معنى الاستفهام فيه إنكار أن يكون في الضلال كلهم أبلغ ضلالًا من عبدة الأصنام، حيث يتركون دعاء السميع المجيب القادر على تحصيل كلّ بغية ومرام، ويدعون من دونه جمادًا لا يستجيب لهم، ولا قدرة به على استجابة أحد منهم ما دامت الدنيا، وإلى أن تقوم القيامة، وإذا قامت القيامة وحشر الناس كانوا لهم أعداء، وكانوا عليهم ضدًا، فليسوا في الدارين إلا على نكد ومضرّة، لا تتولاهم في الدنيا بالاستجابة، وفي الآخرة تعاديهم وتجحد عبادتهم.
وإنما قيل "مَنْ" و"هُمْ"؛ لأنه أسند إليهم ما يسند إلى أولي العلم؛ من الاستجابة والغفلة، ولأنهم كانوا يصفونهم بالتمييز جهلًا وغباوة. ويجوز أن يريد: كلّ معبود من دون الله من الجن والإنس والأوثان، فغلب غير الأوثان عليها.
وقرئ: "ما لا يستجيب"، وقرئ: "يدعو غير الله من لا يستجيب"، ووصفهم بترك الاستجابة والغفلة طريقه طريق التهكم بها وبعبدتها. ونحوه قوله تعالى: ﴿إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ﴾ [فاطر: ١٤].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وإذا قامت القيامة وحشر الناس كانوا لهم أعداء): الانتصاف: "في قوله تعالى: ﴿إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ نكتة، وهي أنه تعالى جعله غاية عدم الاستجابة، وهي مستمرة، لكن أشعرت بأن ما بعدها أزيد منه زيادةً بينةً ملحقةً بالمباين، إذ تتجدد هناك العداوة".
وقلت: نحوه: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ﴾ [ص: ٧٨]، يعني: أن عليك الطرد والرجم إلى يوم الدين، فإذا جاء ذلك اليوم لقيت ما تنسى معه اللعن.


الصفحة التالية
Icon