وذلك أن محمدًا كان لا يقدر عليه حتى يقوله ويفتريه على الله، ولو قدر عليه دون أمّة العرب لكانت قدرته عليه معجزة لخرقها العادة، وإذا كانت معجزة كانت تصديقًا من الله له، والحكيم لا يصدّق الكاذب فلا يكون مفتريًا. والضمير للحق، والمراد به الآيات.
﴿قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ﴾ على سبيل الفرض: عاجلني الله تعالى -لا محالة- بعقوبة الافتراء عليه، فلا تقدرون على كفه عن معاجلتي، ولا تطيقون دفع شيء من عقابه عني، فكيف أفتريه وأتعرّض لعقابه؟ ! يقال: فلان لا يملك إذا غضب، ولا يملك عنانه إذا صمم، ومثله: ﴿فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ﴾ [المائدة: ١٧]، ﴿وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا﴾ [المائدة: ٤١]، ومنه قوله عليه السلام «لا أملك لكم من الله شيئًا».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وذلك أن محمدًا): إشارة إلى "قولهم المستنكر"؛ يعني: أن قولهم: أن محمدًا افتراه، بعد إقرارهم أنه معجز، مما يقضى منه العجب، وتقريره: أن محمدًا لا يقدر عليه حتى يقوله ويفتريه على الله، لأن هذا مباين لكلام البشر، ولو فرض أنه قادر على هذا المفترى لكانت قدرته عليه معجزة لكونه خارقًا للعادة، وإذا كانت معجزة كانت تصديقًا من الله له، والحكيم لا يصدق الكاذب، فلا يكون مفتريًا، وخلاصته: أن إقرارهم بإعجازه، ونسبتهم إياه إلى الافتراء: مما يقضى منه العجب.
هذا التقرير إنما يستحسن إذا أريد بقولهم: ﴿هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾ الدلالة على اعترافهم به، وعجزهم عن الإتيان بمثله، كما قال في مفتتح سورة يونس: "قوله: ﴿إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ﴾ [يونس: ٢]: دليل عجزهم واعترافهم به، وإن كانوا كاذبين في تسميته سحرًا".
قوله: (لا يقدر عليه): الضمير المجرور راجع إلى ﴿آيَاتِنَا﴾ باعتبار وضع "الحق" موضعها، والإشارة بقوله: ﴿هَذَا﴾ في التنزيل أيضًا إليه بهذا الاعتبار.


الصفحة التالية
Icon